علي العمراني لاحظت تجدد الاتهامات بالخيانة والردح التي يتعرض له الأستاذ القدير راشد محمد ثابت، السفير والوزير والشاعر المثقف، وكأن المرض والإعياء والشيخوخة والحاجة والنكران لا تكفيه.. الله المستعان. يتهمونه بالخيانة ويلومونه لأنه كان وزير شؤون الوحدة في دولة الجنوب، ولأنه وحدوي، واكتشف اللائمون الآن، في زمن الانعزالية والجهوية والتبعية للخارج ونظام حكم القرية الصغيرة، أنه من أصول شمالية، من قرية هي أقرب إلى عدن العاصمة من قرى اللائمين الذين يقومون بالردح والشتم ويتبنون الاتهامات بالخيانة. ولا يعني ذلك أنه يجوز لهم شتم من اختلفوا معه من أبناء المدن أو القرى التي قد لا تكون قريبة جدًا من عدن أو الجنوب، مثل قُرْب قرية الأستاذ راشد، ومثلما قد يحدث مع من يسكن قرية آل عِمران-الملاجم، كالفقير إلى الله، أو غيره في مأرب أو ذمار أو الحديدة! ومع أن خط وهاب الذي فرضته الإمبراطورية البريطانية على الإمبراطورية العثمانية، في وقت ضعفها وقبيل انهيارها بسنوات، قد حاز البيضاء جنوبًا! ولكن متى كان الغزاة الأجانب المستعمرون مخولين لتقسيم أهلنا وأرضنا وبلادنا؟ وندعي أن رأس عِمران، في ضواحي عدن، هو حق جدنا! وقبر جدي في مدينة عدن، وقبر والدي في صنعاء، رحمهما الله. ولذلك فإن عدن مثل صنعاء عندي، عينان في رأس واحد. ومن يستطيع أن يقلع إحدى عَيناي من رأسي؟ ودائمًا لا ينسون المناضل العظيم عبدالفتاح إسماعيل من الردح والشتم والاتهام بالخيانة والكراهية أيضًا، لأن أصوله من الحجرية، القريبة جدًا من عدن، حاضنة التسامح وأم الحواضر والمدن في اليمن. ويتناسون أن الرئيس البيض ورفاقه من كل مناطق الجنوب، بما في ذلك حضرموت، سعوا لإنجاز الوحدة برغبة واختيار ورضا، والبيض هو من رأى أن تكون وحدة اندماجية، وحققوها مع الرئيس علي عبدالله صالح ورفاقه في عام 1990. وكان عبدالفتاح قد ترك السلطة منذ عام 1980 واستُشهد قبل أربع سنوات من تحقيق الوحدة، وعاش قبل ذلك خمس سنوات خارج البلاد. ولا يقدح في الوحدة، من بعد، الصراع على السلطة، ولا حرب 1994، بين الشريكين، أو غيرهما، من بعدهما، وأصبحت اليمن جميعها وطناً واحداً لأربعين مليون يمني، وللأجيال المتعاقبة في اليمن، وهي ليست ملكاً لا لصالح ولا للبيض ولا للمؤتمر ولا للإشتراكي، فضلاً عن الطارئين الجدد كالح وثي والان تقالي، أو غيرهما. ويتجاهل المخونون أن أبطالًا مثل علي عنتر وصالح مصلح كانوا متحمسين لوحدة اليمن، ربما أكثر من عبدالفتاح وراشد وغيرهما! أما الأستاذ راشد محمد ثابت فقد كان وزيرًا فقط، وهو ليس صاحب القرار في الوحدة. ويشرفه بالتأكيد، لو كان صاحب القرار التاريخي المشرف العظيم، وهو أعظم قرار وإنجاز منذ أكثر من قرن. وقال صالح مصلح إنه لا بد من وحدة اليمن حتى لو قُتل في سبيلها هو وابنه لحسون. ويتجاهلون أنه دبّر قتل الرئيس الغشمي ضمن خطة تبناها ووافق عليها الرئيس سالم ربيع علي، وتهدف إلى فرض الوحدة بالقوة، في مخطط تحدث عنه الرئيس علي ناصر محمد ووثّقه في مذكراته. أما علي عنتر فكلامه المسجل بصوته وصورته، مثل صالح مصلح أيضًا، ما يزال يصدح إلى اللحظة، وربما إلى الأبد. فهل علي عنتر وصالح مصلح خونة أيضًا؟ أم أن الرئيس علي ناصر محمد وهو يوقع على اتفاقية الوحدة في القاهرة عام 1972، والرئيس سالم ربيع علي الذي وقع على بيان طرابلس، المؤكد على مضامين اتفاقية القاهرة، في أواخر 1972 مع الرئيس عبدالرحمن الإرياني، كانا خونة؟ ويثير التعجب ما نسمعه من أعذار مثل: خدعونا، ما كنا عارفين، ما كنا فاهمين! هذا منطق غريب، ولا يليق ولا يُقبل من سياسيين وقادة وشباب واعد! وجنوب اليمن العظيم، وفيه الكثير من حمير التي حكمت معظم جزيرة العرب، وربما أكثر، برشد وفخر وتحضر. فلماذا الانعزالية والانكفاء والانطواء الآن؟ ومن الخائن وما هي الخيانة؟ الخائن هو من يسعى إلى تقسيم بلده وتجزئتها وتقزيمها، ويجعل منها مجال نفوذ وخضوع وهيمنة ونهب للطامعين من وراء الحدود، مقابل أي شيء وتحت أي ذريعة. بعد الوحدة الاندماجية، التي ذابت فيها الدولتان، أصبحت الدولتان السابقتان من التاريخ، وتُعد المطالبات بالتجزئة ضياع وقت وجهد، وهي بموجب قوانين الجمهورية اليمنية ودستورها الذي تم الاستفتاء عليه وصوّت عليه أهل الجنوب بنسبة أعلى من الشمال: خيانة! نعم، خيانة عظمى مكتملة الأركان. وكلام الأستاذ حيدر العطاس، الذي كنا نكن له قدرًا واحترامًا، ويستند إليه كثير من الشتامين والذباب، أبعد ما يكون عن الحقيقة، ولست أعرف إلى الآن ما هو الدافع لديه فيما يُنسب إليه. ولو أُخذ بما يقول، فقد زعم أن من قتل عبدالفتاح إسماعيل هو حليفه في حرب 1986 علي سالم البيض! ونستبعد ذلك! ويؤسفنا ما كال من تهم ملفقة وظالمة بحق الأستاذ راشد محمد ثابت.