يواصل جرحى الجيش الوطني في محافظة مأرب اعتصامهم المفتوح منذ أيام، تعبيرًا عن رفضهم استمرار التجاهل الحكومي لمطالبهم الإنسانية والقانونية، وسط أوضاع معيشية وصحية صعبة، حيث تراكمت سنوات من الإهمال وفشل الجهات الرسمية في تقديم حلول جادة. وطالب الجرحى، خلال اعتصامهم، بصرف مرتباتهم المتوقفة وتوفير الرعاية الطبية وتسهيل السفر للعلاج، وهي حقوق مشروعة وضئيلة أمام عِظَم تضحياتهم خلال المعركة الوطنية ضد الانقلاب الحوثي، دفاعًا عن الجمهورية ومؤسسات الدولة.
وأصدرت لجنة اعتصام الجرحى بيانًا أعلنت فيه مواصلة الاعتصام وتنفيذ خطوات تصعيدية احتجاجًا على تجاهل الحكومة والقيادة العسكرية لمطالبهم، داعية إلى تحرك عاجل لإنصاف الجرحى الذين "قدّموا تضحيات جسيمة في سبيل الوطن".
وتزايدت الدعوات إلى مجلس القيادة والحكومة لاتخاذ خطوات عاجلة وجادة لمعالجة أوضاع الجرحى، وضمان حصولهم على الرعاية والدعم الكامل، بعيدًا عن التسويف والمماطلة، ورفع مستوى الاهتمام الرسمي بما يليق بتضحياتهم ومكانتهم في المجتمع والجيش على حد سواء.
معاناة بلا حدود
يعيش الجرحى ظروفًا يومية قاسية، إذ يفتقدون الدعم الطبي وأدوات التأهيل الضرورية، الأمر الذي يحوّل حياتهم إلى صراع مستمر بين آلام جراحهم والإهمال الرسمي، ويؤكد حجم الخذلان الذي يواجهونه رغم ما قدموه من تضحيات كبيرة.
في السياق، قال الدكتور محمد راجح، الأمين العام للرابطة الوطنية للجرحى والمعاقين، إن الوضع الإنساني للجرحى بلغ مرحلة مأساوية غير مسبوقة، مؤكداً أن الجرحى يعيشون أوضاعاً قاسية في الداخل والخارج، ويكابدون انعدام الغذاء والدواء والمأوى في ظل غياب أي دعم فعلي من الجهات المعنية.
وأضاف راجح، في تصريحات خاصة ل"الصحوة نت"، أن كثيراً من الجرحى في الخارج يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة، حيث انقطعت عنهم سبل العلاج، وتوقف صرف مستحقاتهم، مشيراً إلى أن أكثر من 130 حالة جريح مقررة للعلاج خارج البلاد، لم يُسفَّر منها سوى 14 حالة فقط حتى الآن.
وأوضح أن بعض الجرحى الذين يتلقون العلاج في الخارج لا يجدون سكناً يؤويهم، فيضطرون للبقاء في ظروف قاسية ومهينة، بينما يعيش آخرون داخل الوطن بلا مأوى ولا رعاية، في مشهد يعكس حجم الإهمال الذي يطارد هذه الفئة منذ سنوات.
وأشار راجح إلى أن محافظة مأرب تشهد حالياً إنشاء مدينة سكنية مخصصة للجرحى، موضحاً أن المشروع يواجه بعض العراقيل، إلا أن تعاون السلطات المحلية والعسكرية بالمحافظة ساهم في دفعه إلى الأمام، معرباً عن أمله في اكتماله خلال الأشهر القادمة.
مطالب مشروعة
تفرض التضحيات التي قدمها الجرحى على الدولة مسؤولية تقديرها من خلال توفير مرتبات منتظمة، ورعاية طبية متكاملة، وأدوات تأهيلية، وهو الحد الأدنى لاستشعار احترام الحكومة لحقوقهم واعترافها بدورهم البطولي في الدفاع عن الجمهورية.
وشدد الدكتور راجح على أن مطالب الجرحى مشروعة وعادلة وقابلة للتنفيذ، مؤكداً أنهم لا يطالبون بالمستحيل، بل بحقوق واقعية تتعلق بتوفير العلاج للحالات الحرجة داخل البلاد وخارجها، وضمان استمرار الرعاية الطبية بما يحفظ حياتهم وكرامتهم الإنسانية.
وأضاف أن الجرحى يطالبون بصرف مرتباتهم المتأخرة بصورة منتظمة، مبيناً أنه لا يوجد جيش في العالم يُترك مقاتلوه وجرحاه بلا رواتب لأشهر طويلة، فيما تظل الجبهات قابلة للاشتعال في أي لحظة، مؤكداً أن هذا الإهمال يضرب معنوياتهم في الصميم.
وأكد على ضرورة تسوية رواتب الجرحى مع التشكيلات العسكرية الأخرى التي تتبع مجلس القيادة الرئاسي، وصرفها بالريال السعودي، لضمان العدالة والمساواة، مشيراً إلى أن كثيراً من الجرحى عاجزون عن العمل، ولا يملكون أي مصدر دخل يعينهم على الحياة.
كما دعا راجح الدولة إلى إطلاق برامج متكاملة لإعادة تأهيل ودعم الجرحى نفسياً ومهنياً، بما يتيح دمجهم في سوق العمل والجهاز الإداري للدولة، مشدداً على أهمية تحويل معاناتهم إلى دافع للأمل والعطاء، وتمكينهم من أن يكونوا طاقة إيجابية فاعلة في المجتمع.
وتبرز حقوق الجرحى اليوم كاختبار حقيقي لمصداقية الحكومة وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه من ضحوا بالغالي والنفيس دفاعًا عن الدولة والجمهورية، مع التأكيد على أن استمرار الإهمال يضع الجيش والمجتمع المدني أمام خطر فقدان الثقة بالجهات الرسمية.
وفاء ينتظر الدولة
حمَّلت لجنة اعتصام الجرحى الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي مسؤولية مباشرة عن واقعهم الجرحى، معتبرين أنه من المفترض أن يكون هذا الملف في مقدمة أولويات الحكومة، باعتباره مقياسًا لمدى التزامها بواجبها تجاه من ضحوا من أجل بقاء الوطن وسيادته.
وعلى مدى سنوات، ظلت الوعود والقرارات الحكومية المتكررة في ما يتعلق بملف جرحى الجيش الوطني حبيسة أدراج المكاتب والمسؤولين، في حين تضاعف الضغط النفسي والجسدي على الجرحى، وتحوّل صبرهم الطويل إلى إحباط ويأس.
وأكد الأمين العام للرابطة الوطنية للجرحى أن الوفاء لتضحيات الجرحى واجب وطني لا يقبل المساومة، وأن التعامل مع قضيتهم يجب أن يكون بمسؤولية واحترام، بعيداً عن الوعود المؤقتة التي عمّقت معاناتهم وأضعفت ثقة المقاتلين في وعود الدولة.
ودعا القيادة السياسية والحكومة إلى التعامل الجاد مع ملف الجرحى والمعاقين وأسر الشهداء، مؤكداً أن الرعاية والاهتمام الشامل بهذه الفئة ليس منّة، بل استحقاق وطني يليق بتضحيات من قدّموا حياتهم دفاعاً عن الجمهورية وكرامة اليمنيين.
وأوضح محللون أن استمرار التقصير في مطالب واحتياجات الجرحى يمثل إساءة بالغة للكرامة الوطنية، ورسالة إحباط لمن ما زالوا يقاتلون في الميدان، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى كل ذرة إيمان بعدالة قضيتها ووحدة صفها الوطني.
تلاحم وطني واسع
وتفاعلًا مع مطالب الجرحى، توحدت مكونات المجتمع من أسر ووجاهات وأحزاب حول قضية الجرحى، معتبرين أن إنصافهم واجب وطني وأخلاقي، وأن تجاهل تضحياتهم لا يمسهم وحدهم، بل يطعن في جوهر عدالة الجمهورية التي قاتلوا من أجلها.
في مأرب، تسابق المواطنون والمطاعم لتقديم الوجبات اليومية للمحتجين من الجرحى، فيما حرص مشايخ ووجهاء المحافظة على زيارة مخيماتهم والتعبير عن تضامنهم، في رسالة واضحة بأن قضية الجرحى تتجاوز كل الانتماءات والمصالح.
ولم يقتصر الموقف على الفعاليات المجتمعية، إذ بادرت الأحزاب السياسية إلى إعلان دعمها الكامل لمطالب الجرحى، مؤكدة أن إنصافهم يمثل اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام السلطة بالعدالة والمواطنة المتساوية، وداعية إلى حلول دائمة لا وعود مؤقتة.
وتحولت مخيمات الجرحى في الأيام الأخيرة إلى رمز للتلاحم الوطني، حيث اجتمع المدنيون والعسكريون، الشيوخ والشباب، في مشهد يعكس وحدة الموقف الشعبي والسياسي خلف قضية الجرحى، بوصفها قضية كرامة وطنية قبل أن تكون مطلبًا إنسانيًا.