صدر حديثًا عن المنتدى العربي الاوروبي للسينما والمسرح ويتوفر على أمازون كيندل وعدة مكتبات ومنصات اليكترونية كتاب "تأملات ومراجعات في الشعر الشعبي التهامي اليمني – من الغناء إلى الغضب"، وهو عمل نقدي وأدبي جديد للشاعر والمبدع حميد عقبي، الذي لطالما كرّس كتاباته الشعرية والسردية والمسرحية لإحياء الأصوات المهمّشة، وإعادة الاعتبار للجمال المغيّب في هامش الجغرافيا والتاريخ. الكتاب، المكتوب بلغة عربية ، حاول أن يتجاوز مجرّد التأمل في نماذج من الشعر الشعبي التهامي، ليقدّم قراءة عميقة في التجربة الوجدانية والجمالية والثقافية التي يحملها هذا الشعر. إنه بمثابة مرآة تعكس تهامة اليمن، ليس فقط كمنطقة جغرافية، بل كروح نابضة وذاكرة حية، حيث تمتزج أصوات الطبول والغناء الفولكلوري بأوجاع الغربة والفقر والقهر، وحيث يتحوّل الحب إلى مقاومة، والحنين إلى سلاح شعري. تهامة، كما يُعرفها عقبي في خلفية كل كتبه وكتاباته، لم تكن مجرّد سهول ساحلية تمتد على شريط البحر الأحمر، بل هي مكان شديد الخصوصية، بطبيعته الحارقة، وتربته الرملية، ونخيله المتمايل، وملامح سكانه الذين يجمعون بين البساطة والكرامة والصلابة الهادئة. في تهامة، لا تُروى الحكايات والقصائد فقط للمتعة، بل للتداوي، للحفاظ على الهوية، وللتحدي. الشعر هنا ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية. في هذا السياق، يقدّم الكتاب تأملات نقدية ونصوصًا تعبيرية نابعة من تجربة المؤلف الشخصية، ومن قراءاته الغنية والمتنوعة. نلمس في فصوله تعقّبًا دقيقًا لتطوّر الشعر الشعبي التهامي من كونه غناءً احتفاليًا في الأعراس والمواسم، إلى أن يصبح خطابًا احتجاجيًا ضد الظلم والتهميش والسلطة الغائبة. يتحوّل النص من وصف الحبيب إلى مناجاة الأرض، ومن التغزل بجمال العيون إلى التنديد بجشع المتسلّطين وانتهاك الفقراء. ما يميّز هذا العمل هو اتكاؤه على الحس الجمالي دون أن يفرّط في البعد النقدي أو السياق الاجتماعي. فالمؤلف، وهو شاعر أصلاً، لا يكتفي بوصف النصوص أو تصنيفها، بل يحاورها، يعيد كتابتها من جديد، يمنحها حياة أخرى على ضوء أسئلته الخاصة. وهو في ذلك يستعين بذاكرة حية، ومخزون لغوي داخلي باللهجة التهامية التي تظهر في بعض المقاطع بشكل شعري مؤثر، مما يضفي على الكتاب طابعًا توثيقيًا وشهاداتيًا في آن. "من الغناء إلى الغضب" ليست فقط عبارة افتتاحية، بل مسار واضح يتتبعه المؤلف في رصده لتحولات الشعر الشعبي. هذا الشعر الذي لطالما ارتبط بالطبل والدف والرقص، بات اليوم في قراءة عقبي أداة للرفض، للكشف، للحفر في الذاكرة الجمعية، ولفضح التهميش البنيوي الذي تعانيه تهامة وأبناؤها منذ عقود طويلة. الكتاب، إذن، يذكّرنا أن الثقافة ليست حكرًا على المدن الكبرى، ولا على النخب، بل هي في الغالب متجذّرة في الهامش، في القرى النائية، في صدور البسطاء، وفي أصوات النساء اللواتي غنّين الحب والفقد والحياة أمام نار التنور، وفي أصوات الرجال الذين صيّروا القصيدة خيمة تقيهم الغربة. بكثير من الحب والوعي، يعيد حميد عقبي الاعتبار لهذه الذاكرة الشفهية، ويضع الشعر الشعبي التهامي في مكانه اللائق ضمن المشهد الثقافي العربي، ليس بوصفه تراثًا ماضويًا جامدًا، بل كرافد حيّ للتجريب والتجديد والانتماء. هذا الكتاب دعوة للقراءة… لا بوصفها فعل استهلاك، بل فعل تفاعل واستنطاق لطبقات من المعنى كانت مُهمّشة أو مسكوتًا عنها. إنها رحلة بين مفردات مهجورة ونبضات صادقة، بين صمت الريف وصراخ المدينة، بين الأمس واليوم… بين الغناء والغضب. تم نسخ الرابط