خبير في الطقس: برد شتاء هذا العام لن يكون كله صقيع.. وأمطار متوقعة على نطاق محدود من البلاد    عين الوطن الساهرة (2)..الوعي.. الشريك الصامت في خندق الأمن    القائم بأعمال رئيس هيئة مكافحة الفساد يكرم والد الشهيد ذي يزن يحيى علي الراعي    زيارة ومناورة ومبادرة مؤامرات سعودية جديدة على اليمن    احتجاج على تهميش الثقافة: كيف تُقوِّض "أيديولوجيا النجاة العاجلة" بناء المجتمعات المرنة في الوطن العربي    بيان تحذيري من الداخلية    اليوم انطلاق بطولة الشركات تحت شعار "شهداء على طريق القدس"    إيران تفكك شبكة تجسس مرتبطة بالولايات المتحدة وإسرائيل    وزير الإعلام الإرياني متهم بتهريب مخطوطات عبرية نادرة    حلّ القضية الجنوبية يسهل حلّ المشكلة اليمنية يا عرب    عسل شبوة يغزو معارض الصين التجارية في شنغهاي    تمرد إخواني في مأرب يضع مجلس القيادة أمام امتحان مصيري    أبين.. الأمن يتهاوى بين فوهات البنادق وصراع الجبايات وصمت السلطات    30 نوفمبر...ثمن لا ينتهي!    الواقع الثقافي اليمني في ظل حالة "اللاسلم واللاحرب"    كلمة الحق هي المغامرة الأكثر خطورة    تغاريد حرة .. انكشاف يكبر واحتقان يتوسع قبل ان يتحول إلى غضب    "فيديو" جسم مجهول قبالة سواحل اليمن يتحدى صاروخ أمريكي ويحدث صدمة في الكونغرس    قاضٍ يوجه رسالة مفتوحة للحوثي مطالباً بالإفراج عن المخفيين قسرياً في صنعاء    قرار جديد في تعز لضبط رسوم المدارس الأهلية وإعفاء أبناء الشهداء والجرحى من الدفع    الجريمة المزدوجة    مشاريع نوعية تنهض بشبكة الطرق في أمانة العاصمة    ارشادات صحية حول اسباب جلطات الشتاء؟    النفط يتجاوز 65 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ 3 نوفمبر    قراءة تحليلية لنص "خطوبة وخيبة" ل"أحمد سيف حاشد"    انتقالي الطلح يقدم كمية من الكتب المدرسية لإدارة مكتب التربية والتعليم بالمديرية    مواطنون يعثرون على جثة مواطن قتيلا في إب بظروف غامضة    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    لملس يبحث مع وفد حكومي هولندي سبل تطوير مؤسسة مياه عدن    الحرارة المحسوسة تلامس الصفر المئوي والأرصاد يحذر من برودة شديدة على المرتفعات ويتوقع أمطاراً على أجزاء من 5 محافظات    الحديدة أولا    الاتصالات تنفي شائعات مصادرة أرصدة المشتركين    رئيس بوروندي يستقبل قادة الرياضة الأفريقية    مصر تخنق إثيوبيا دبلوماسياً من بوابة جيبوتي    الشاذلي يبحث عن شخصية داعمة لرئاسة نادي الشعلة    جولف السعودية تفتح آفاقاً جديدة لتمكين المرأة في الرياضة والإعلام ببطولة أرامكو – شينزن    القبض على المتهمين بقتل القباطي في تعز    نائب وزير الشباب والرياضة يطلع على الترتيبات النهائية لانطلاق بطولة 30 نوفمبر للاتحاد العام لالتقاط الاوتاد على كأس الشهيد الغماري    حكاية وادي زبيد (2): الأربعين المَطّارة ونظام "المِدَد" الأعرق    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    لصوصية طيران اليمنية.. استنزاف دماء المغتربين (وثيقة)    ريال مدريد يقرر بيع فينيسيوس جونيور    عدن في قلب وذكريات الملكة إليزابيث الثانية: زيارة خلدتها الذاكرة البريطانية والعربية    البروفيسور الترب يحضر مناقشة رسالة الماجستير للدارس مصطفى محمود    5 عناصر تعزّز المناعة في الشتاء!    قراءة تحليلية لنص "خصي العقول" ل"أحمد سيف حاشد"    عالم أزهري يحذر: الطلاق ب"الفرانكو" غير معترف به شرعا    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    الدوري الاسباني: برشلونة يعود من ملعب سلتا فيغو بانتصار كبير ويقلص الفارق مع ريال مدريد    تيجان المجد    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة نقدية مقارنة لنص "خجل واضطراب واغتراب" ل"أحمد سيف حاشد"
نشر في يمنات يوم 02 - 11 - 2025

قراءة نقدية مقارنة لنص أحمد سيف حاشد "خجل واضطراب واغتراب" المنشور في كتابه "فضاء لا يتسع لطائر"، باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
قراءة نقدية
مقدّمة عامة
يمثّل نص "خجل واضطراب واغتراب" للبرلماني والماتب اليمني أحمد سيف حاشد لحظة نادرة في الأدب اليمني والعربي، حيث تتقاطع فيه السيرة الذاتية والبوح النفسي والوعي الاجتماعي والسياسي في نسيجٍ لغوي واحد.
إنه نصّ يعيد الاعتراف إلى مكانته كفعل وجودي لا كحكاية شخصية، ويحوّل التجربة الفردية إلى مرآةٍ للواقع الإنساني والاجتماعي والسياسي.
من هنا، يمكن القول إن النص لا يكتفي بوظيفة السرد، بل يمارس دورًا تأمليًا ونقديًا يضع الذات في مواجهة المجتمع والسلطة والوجود ذاته.
نقاط القوة
1. القيمة الأدبية العامة
النص تحفة أدبية تجمع بين الصدق العاطفي والعمق النفسي والبلاغة والرؤية النقدية.
لا يقتصر النص على استعراض معاناة شخصية، بل يحوّل التجربة الخاصة إلى صورة مكثفة لعلل اجتماعية وسياسية أكبر، وهو ما يمنحه تأثيرًا عميقًا واستمرارية في الوجدان.
كما يوظّف حاشد أدوات السرد، والتشبيه، والاستعارة بمهارةٍ عالية، تُترجم تجربة نفسية معقدة إلى خطاب فني مؤثر.
2. التحوّل من الشخصي إلى المجتمعي
أكبر إنجاز في النص هو الانتقال العضوي من الاعتراف الذاتي إلى النقد المجتمعي.
فالكاتب يبدأ من داخل ذاته المأزومة ليصل إلى مساءلة المجتمع وأمراضه البنيوية، وبذلك يرتفع النص من مجرّد بوحٍ نفسي إلى خطاب نقدي إنساني يلامس قضايا السلطة، والفساد، والوعي الجمعي.
إن هذا التحوّل يجعل النص يعبّر عن وعيٍ متقدّم يُحوّل الألم الشخصي إلى طاقة فكرية خلاقة.
3. الصدق والجرأة الإنسانية
يعبر النص عن جرأة نادرة في الأدب العربي على كشف أعماق الذات دون تزيين أو مواربة.
وهنا بواجه حاشد الخوف، والخجل، والرهاب الاجتماعي بصدقٍ عاطفي وتحليلٍ نفسي دقيق، رافضًا أن يتخفّى خلف أقنعة البطولة أو الادّعاء.
وبهذا الصدق يكتسب النص قوته وتأثيره، إذ يحوّل التجربة الشخصية إلى مادة أدبية خالدة ونقد اجتماعي لاذع.
4. الصورة الإنسانية للكاتب
حاشد لا يقدّم نفسه في النص بطلاً ولا ضحية، بل ككائن هشّ يصارع ذاته والعالم في آنٍ واحد.
إنه يعترف بضعفه دون أن يستسلم له، ويحوّل الهشاشة إلى بصيرة، ما يضفي على النص بعدًا إنسانيًا عالميًا يعبّر عن الإنسان في هشاشته وكرامته معًا.
5. البعد الفلسفي والتجربة الوجودية
يتعامل الكاتب مع الخجل والرهاب بوصفهما حالة وجودية لا عرضًا نفسيًا.
يتحوّل النص من وصفٍ ذاتي إلى تأملٍ فلسفي في معنى العاهة، والاغتراب، والاستبداد، والفساد.
وهذا الانتقال من السيرة إلى الفكر يكشف عن نضج التجربة وعمق الوعي، ويجعل النص يندرج ضمن الأدب الاعترافي الفلسفي الذي يتقاطع مع الفكر الوجودي الحديث.
6. اللغة والتصوير الفني
لغة النص ثرية ومشحونة بالإيقاع الداخلي، توازن بين الانفعال والتأمل، وتستخدم التكرار والمفارقة والصور الحسية لتجسيد المشهد النفسي بعمق.
المقاطع السردية، كحادثة القفز من السيارة، مكتوبة بكثافة درامية توازي المشهد السينمائي، ما يمنح النص بعدًا بصريًا محسوسًا.
إنها لغة تجمع بين الشعرية والتجريب السردي دون أن تفقد صدقها أو وضوحها.
7. البعد الإنساني العام
رغم محليّة التجربة (طفولة في بيئة يمنية محددة)، فإن النص يتجاوز حدوده الجغرافية ليعبّر عن تجربة إنسانية شاملة:
الخوف، النقص، الاغتراب، والتمرّد.
ويمكن إدراج النص ضمن الأدب الاعترافي الإنساني الذي يعبّر عن الذات بوصفها نموذجًا للإنسان في كل مكان وزمان.
مكامن الضعف
1. الإطالة والتكرار
يُطيل الكاتب في توصيف الإحساس بالخجل والرهاب بدرجات متقاربة، ما يخلق نوعًا من التكرار الدلالي الذي يمكن اختصاره دون الإخلال بالمعنى.
2. غياب الفواصل الموضوعية
النص متدفق بلا تقسيمات داخلية واضحة، الأمر الذي يجعل القارئ يواجه نهرًا لغويًا مستمرًا دون محطات للتأمل.
وكان من الأفضل أن يُقسَّم النص إلى مقاطع معنونة أو وحدات سردية متمايزة لزيادة الوضوح والتركيز.
3. الانتقال المفاجئ بين المستويات
في بعض المقاطع، ينتقل الكاتب من الاعتراف الحميم إلى خطابٍ فكري مباشر حول الطغيان والفساد.
ورغم عمق الفكرة، إلا أن الانتقال يبدو حادًا وغير ممهد فنيًا، وكان يحتاج إلى جسرٍ تأملي يربط الذاتي بالموضوعي بسلاسة أكبر.
التقييم العام
يشكّل نص "خجل واضطراب واغتراب" لحظةً أدبية متميّزة في مسار الأدب اليمني والعربي الحديث.
فهو يجمع بين جرأة الاعتراف وعمق التحليل، وبين التجربة النفسية والرؤية الفكرية.
نقطة قوته الكبرى تكمن في الصدق الفني والإنساني، بينما تكمن هشاشته النسبية في الاستطراد وطغيان التأمل على البناء الفني المحكم.
ومع ذلك، يظل النص علامة مضيئة في الأدب الاعترافي العربي، لأنه نجح في تحويل الألم إلى وعي، والذات إلى مرآةٍ للعالم.
تكثيف نقدي
«خجل واضطراب واغتراب» ليس مجرد سيرة وجدانية، بل بيان إنساني عن وعي الألم وقدرته على التحول إلى بصيرة.
إنه نصٌّ يُقاس بجرأته لا بزخرفته، وبقدرته على جعل الخوف موضوعًا للفهم لا للهروب، والمعاناة مادةً للتفكير لا للشكوى.
وبهذا المعنى، يمكن اعتباره أحد أهم النصوص الاعترافية التي تمزج بين التجربة الشخصية والنقد الاجتماعي في الأدب العربي الحديث
***
قراءة مقارنة للنص
مقدمة
يُمثّل نص «خجل واضطراب واغتراب» للكاتب والبرلماني اليمني أحمد سيف حاشد علامة فارقة في مسار السرد العربي المعاصر، إذ يجمع بين الاعتراف الذاتي، والتحليل الوجودي، والنقد الاجتماعي والسياسي.
يقدّم النص تجربة نثرية تتقاطع فيها الهشاشة الإنسانية مع الوعي المقاوم، وتلتقي في ثناياها مؤثرات فكرية متعدّدة تمتد من الفلسفة الوجودية إلى التحليل النفسي وأدب الاعتراف.
هذه القراءة تسعى إلى مقاربة النص من منظورٍ مقارنٍ، يكشف عن علاقاته بالفكر الوجودي (كيركغور، سارتر، كامو)، وب الأدب التحرري (فانون)، والأدب العربي الاعترافي (طه حسين، منيف، كنفاني)، إضافة إلى خصوصيته اليمنية التي تمنحه فرادته وعمقه الإنساني والسياسي.
الخجل كجرحٍ إنسانيّ ووجودي
في هذا النصّ، لا يظهر الخجل كصفةٍ اجتماعيةٍ عابرة، بل كتجربة وجودية شاملة تعيد تعريف علاقة الإنسان بذاته وبالآخر.
الخجل عند حاشد ليس تأمّلًا فلسفيًا محضًا، بل معاناة واقعية متجذّرة في الطفولة وفي بيئةٍ اجتماعيةٍ قاسية، ما يجعل النصّ أكثر قربًا من التجربة الإنسانية اليومية وأقلّ تجريدًا من الفكر الوجودي الكلاسيكي.
هنا يتجلّى البعد الإنساني للنص: الضعف لا يُخفى، بل يُعرّى ليُصبح مصدر قوة ووعي.
حاشد والوجوديون من القلق إلى الوعي
1. القلق والاغتراب
يتقاطع النص مع أعمال سورين كيركغور في القلق والمرض حتى الموت، حيث تتحوّل المعاناة إلى وعيٍ بالوجود، ومع جان بول سارتر في فكرة "الوعي أمام الآخر"، حيث يشكّل الخوف من نظرة المجتمع أساسًا للاغتراب.
كما يشترك مع ألبير كامو في التحوّل من العبث إلى المعنى عبر المقاومة.
2. الاختلاف الجوهري
يختلف حاشد عن هؤلاء في أنه يجسّد الاغتراب في سياق سياسي واجتماعي واقعي، لا ميتافيزيقي.
فالاغتراب في نصّه نتاج للاستبداد والقهر الاجتماعي، والتمرد ليس فعلًا ذهنيًا بل أخلاقي–مقاوم ينبع من معاناة واقعية.
وبهذا المعنى، يتجاوز النصّ الفلسفة التأملية إلى أخلاقيةٍ نضالية تعيد تعريف الحرية بوصفها مقاومة.
مع فرانتز فانون من العاهة إلى المقاومة
يُذكّر نصّ حاشد بفكر فرانتز فانون في معذّبو الأرض، خصوصًا في استعارة العاهة الجسدية والنفسية بوصفها أثرًا للاستبداد.
يحوّل حاشد الخجل إلى رمزٍ للتحرّر، معلنًا أن "العاهات الحقيقية هم الطغاة والمستبدون"، في توازٍ واضح مع فانون الذي حوّل التحليل النفسي إلى مشروع تحرّري إنساني.
كلاهما ينقل الألم من حيز الذات إلى فضاء المقاومة.
أدب الاعتراف والبوح
ينتمي النص إلى تقاليد أدب الاعتراف في جرأته على كشف الهشاشة الإنسانية، كما نجد عند نوال السعداوي وعبد الرحمن منيف.
يتجاوز حاشد يتجاوز الاعتراف الفردي إلى تسييس البوح، إذ تتحوّل التجربة الذاتية إلى نقدٍ اجتماعيٍّ وثقافيٍّ شامل.
هنا تتجلّى إحدى أهم خصائص النص: القدرة على وصل الذاتي بالجمعي، والخاص بالعام.
بين نيتشه وسارتر وفرويد
تجاوز الخوف إلى الفعل
يحاول حاشد، مثل نيتشه، تجاوز الخوف نحو الفعل والتحرّر، لكنه لا يمجّد القوة الفردية بل القوة الأخلاقية المنبثقة من الضعف.
إنها مقاومة تنبع من وعيٍ بالهشاشة، لا من إنكارها.
التحليل النفسي والمصالحة مع الذات
على المستوى الفرويدي، يُمكن قراءة النص كمصالحةٍ بين "الأنا" الجريحة و"الأنا الأعلى" الأخلاقي، غير أن حاشد لا يستخدم أدوات التحليل النفسي، بل الكتابة الاعترافية وسيلةً للشفاء والتطهير، حيث يتحوّل الكبت إلى وعيٍ خلاقٍ ووسيلةٍ للنجاة.
من هوغو إلى كنفاني "الوجع الإنساني والمقاومة"
1. الحدبة كرمزٍ للنبل
حين يشبّه حاشد خجله ب«حدبة الأحدب»، فهو يستعيد فيكتور هوغو، لكن بوجهٍ جديد: حدبته ليست جسدية، بل رمز نفسي –أخلاقي ناتج عن القهر الاجتماعي والسياسي.
2. الطفولة والاعتراف
يتقاطع النص مع طه حسين في الأيام من حيث الحفر في ذاكرة الطفولة، لكنه أكثر توتّرًا وعاطفية، أقرب إلى الاعتراف الوجداني من السيرة التربوية.
3. منيف وكنفاني: القهر كعاهة جماعية
يشترك مع عبد الرحمن منيف في فضح القهر كسجنٍ جماعيٍّ للروح، ومع غسان كنفاني في رفض الصمت.
يردّ حاشد على سؤال كنفاني "لماذا لم تدقّوا الجدران؟" بقوله: كنت أخاف أن يسمعوا صوتي، ثم قررت أن أصرخ بالكتابة.
4. كافكا والعبث الواعي
يحمل النص صدى كافكا في إحساسه بالذنب والاغتراب، لكنه يختلف في أن حاشد لا يستسلم، بل يحوّل العبث إلى وعيٍ مقاومٍ للظلم واللامعنى.
البعد اليمني في النص
يتجذّر النص في الواقع اليمني الذي يرزح تحت ثقل القهر الاجتماعي والسياسي، ما يمنحه خصوصية ثقافية فريدة.
الخجل والاغتراب هنا ليسا فقط حالتين نفسيتين، بل تجسيدٌ رمزيٌّ لحالة المواطن اليمني الذي يواجه القمع والعزلة.
يتحوّل الاعتراف إلى فعل مقاومة ضد التابوهات السياسية والاجتماعية، والبوح إلى صرخة جماعية تعبّر عن جيلٍ بأكمله يبحث عن كرامته وسط الانكسار.
وبهذا، يصبح النص وثيقة أدبية – سياسية تؤرّخ لوعيٍ يمنيٍّ حديث يتطلّع إلى الحرية عبر الكلمة.
الكتابة كفعل مقاومة
الكتابة عند حاشد ليست ملاذًا جماليًا، بل فعلًا وجوديًا ضد الخوف. هي محاولةٌ لإعادة بناء الذات المنكسرة، ومواجهة الاغتراب عبر اللغة.
وفي هذا المعنى، تتحوّل الكلمة إلى فضاء للتحرّر، وإلى شكلٍ من أشكال العصيان الأخلاقي والفكري.
تكثيف مقارن: من الاغتراب إلى الوعي المقاوم
في ضوء المقارنة السابقة، يتّضح أن نص «خجل واضطراب واغتراب» يتجاوز الأطر التصنيفية للأدب العربي الحديث، ليؤسّس لما يمكن تسميته أدب الاعتراف المقاوم. فهو يجمع بين الحميمية الوجدانية، والعمق الفلسفي، والوضوح الأخلاقي، والنقد الاجتماعي في نسيجٍ واحدٍ متماسك.
ويتحوّل الخجل إلى شجاعة، والاغتراب إلى وعي، والاعتراف إلى مقاومة.
إنه نصّ يعيد للأدب العربي صوته الصادق في زمنٍ فقدت فيه الكلمات معناها، ويضع أحمد سيف حاشد ضمن الأصوات الأدبية التي تكتب الوجع الإنساني بضميرٍ يقظٍ ووعيٍ مقاوم
***
خجل واضطراب واغتراب
أحمد سيف حاشد
كنت خجولاً جداً، وانطوائياً إلى حد بعيد.. أعاني من الرِّهاب الاجتماعي على نحو فظيع ومرعب.. هكذا عرفت نفسي في مستهل وعيي بها.. صحيح أنني لم أخرج في ولادتي الأولى صموتاً، بل خرجت بصرخة ولادة أستطيع تخيلها، وهي تشق حجرة الولادة في بيتنا القديم، وصحيح أيضاً أنني كنت شقيّاً في طفولتي، وربما في بعض مراحل حياتي، إلا أن هذا لم ينل من خجلي وانطوائي البالغ الذي كنت أشعر به ثقيلاً جداً على حياتي.. لطالما كوابيس رهابي استولت على سكينتي، وأقلقتني الساعات الطوال في ليلي ونهاري، ولازمت حضوري ولاحقت فراري، وخجلي الذي كان أكثر ثقلاً وعبئاً وإعاقة لتطلعاتي.
كنت مُستغرقاً بإحساس كثيف أنني معاقٌ بخجلي، وأنني لا أصلح لشيء في هذه الحياة، وأن مستقبل حياتي سيكون مضروباً بتلك الإعاقة التي لا أستطيع تجاوزها أو التحرر منها، وقد صارت بعضاً من قدري الذي لابد منه.
أحسست مع كل إخفاق ينالني أن مردَّهُ عاهتي، ولطالما شعرتُ أن وجودي فائض عن الحاجة، وأن لا حكمة من وجود فائض عن لازمه، وأن الوجود في بعضه كان عابثاً ومستهتراً بالحاجة، وأنني صرت أعيش غيابي، وغربتي في هذه الحياة الصاخبة التي لا تُشبه انطوائي وخجلي ورهابي، ولا تحتاج لوجودي الفائض والممل.
وعندما قرأت لاحقاً رواية "أحدب نوتردام" للروائي والأديب الفرنسي فيكتور هيجو، أحسست أنَّ تلك الحدبة التي يحملها بطل الرواية على ظهره، لطالما حملتها أنا على ظهري.. ذكّرتني تلك الحدبة بخجلي ورهابي اللَّذين أثقلا كاهلي، ومنعاني من فرص عديدة، وحرماني من أشياء كثيرة، ولطالما تم مصادرتي ومصادرة حقوقي، رغم وجودي الذي تبدّى لي أنه بات عبئاً على هذا الوجود.
صحيح أنني كنت أقدم على أفعال في بعض الأحيان تبدو جريئة ومتمرّدة وشقيّة؛ ولكن في معظم الأحيان كان يرافقني خجلي كظلّي، وأحياناً يجتاحني طغيانه الكاسح، ولا يترك لي متنفَّساً أو حيزاً أتزحزح إليه.. تتهشم عظامي في المضائق التي لا يتسلل إليها نور أو متسع.
لطالما أهدر هذا الانطواء والخجل كثيراً من الفرص في حياتي التي أرهقتها مسارات الضياع، والتي وجدت نفسي أسيراً لها، أو عرضتني للمخاطر، والصعوبات الكثار، أو داهمتني بالمواقف المحرجة التي لا عد لها ولا حصر، وأحياناً ولّدت لدي شعوراً كثيفاً بالفشل والخيبة الكبيرة، والنقص الذي يبلغ بي مرحلة الندم أو العدم.
كان الإحساس بالرهاب والخجل الكبير يشعرني أن القدر قد أصابني بالاختلال في النفس والاعتلال في التكوين؛ الذي جاء ناقصاً وغير سوي.. أشعر بعاهة تجتاحني ولا تفارقني، ولا يفارقني الشعور بها.. عاهة تجعلني أعتب وانتفض في داخلي على القدر الذي انتقص منّي أو كان سبباً لهذا الاعتلال والخلل الضارب في عمق الروح.
كانوا يقولون إن الملائكة لهم دور في تخليق الجنين، وتسويته في بطن أمه، وكنت وأنا صغير أسأل أمي:
لماذا فلانة مخرومة الشفاه؟!
فتجيب: إن الملائكة نسوا اتمام هذا الخُرم .. ثم تزجرني وتمنعني من تنقيصها، حتى لا يأتي لي أبناء مخرومو الشفاه مثلها، عندما أشب وأتزوج ويكون لي في الحياة بنون!!
ثم تجوس في نفسي الأسئلة، وأشعر أنني مملوء بالنواقص والاختلال.. ألوم في قرارة نفسي الملائكة الذين أصاب اهمالهم كثيراً منِّي.. دماغي، وجهازي العصبي، وعيوني، وما خجلي و انطوائي وشعوري بالرُهاب والحرج، إلا إهمال وتقصير كبير منهم، يستحق الحزن والعتب، وأكثر من هذا إن تأتَّى.
عندما كبرتُ واكتسبت معرفة أكثر عن الوجود، وعن الواقع البشري والسياسي الذي نعيشه؛ اكتشفت كثيراً من أوجه الاختلال، والاعتلال الأكثر وبالاً وجوهرية على حياة الشعوب والمجتمعات.. اكتشفت أن العاهات الحقيقية هم الطغاة، والمستبدون والفاسدون، وأرباب الحروب وتجّارها، وأيقنت أكثر أن هؤلاء المسخ هم العبء على هذه الحياة وعلى الإنسانية وعلى هذا الوجود المُثقل بهم.
* * *
كان رهابي يخرس صوتي، ويئده، ويهيل عليه التراب.. يمزقه ويشتته حتى يتلاشى كالهلام.. يخنقه بقبضة من حديد قبل أن يصعد إلى فمي.. يبتلع لساني من جذرها المغروس في حنجرتي الملجومة بالخجل؛ والرهاب طغيان يمارس سلطته بفجاجة على حياتي التي أثقلتني بمعاناتها.
كنتُ ما زلتُ صغيراً أو حديث سنٍ، فيما رهابي وخجلي صارا أكبر منّي، بل أضعاف وزني وسنين عمري العجاف؛ مسحوقاً أنا بخجلي ورهابي بإصرار لا يكل ولا يمل، وبتكرار لا يعرف الوهن.. خيبة ومرارة تجتاحانني وأنا أقع في كل مرّة فريسة في شباكهما لا أقوى على المقاومة.
لطالما عشت مأسوراً بانطوائي، وبالحياء المطبق بكلتي يديه على فمي المكتوم بعازل الصوت الذي يمنعني أن أطلب حاجة، أو نجاة أو استغاثة.. يستطيع المرء أن يتصور مدى خجلي بصورة من يؤثر هلاكه على النطق بكلمة لا يزيد طولها عن الحرفين "قف".
كيف لشخص أن يخجل من صوته ورفقته ويرتكب مغامرة تشبه الحمق الكبير؟! يؤثر احتمالية الخطر على أن يسمع الناس صوته؟! كيف لأحد بسبب حيائه وخجله وما يتملكه من رهاب أن يقفز من السيارة التي تقله، وهي مسرعة كالعاصفة دون أن يطلب من صاحبها الوقوف أو النزول.. إنه رهاب يشبه الانتحار.
* * *
لطالما خجلت من صوتي وأنا صغير.. حتى عندما وصلت إلينا مسجلات تسجيل الصوت لم يكن يطربني صوتي، بل ربما عتبتُ يوما على رب هذا الصوت.. ربما أوغلت في التمرد في لحظات انفعال وانفلات.. فلت من يدي عقاله وزمامه حتى بلغ أطراف المدى.
أقاوم الإكراه بكل وجوهه وسلطانه وإرغاماته، ولكن ينحرف أحياناً تمردي حتى يبلغ ما هو قصي وبعيد.. أذكر يوماً صفعني فيه أبي بالحذاء مرتين، وثلاثاً لمجرد أنني تأخرت في إحضار ماء وضوء صلاة المغرب لأحد أقاربنا رحمة الله عليه، وبانفعال وحماقة بُلت في الوعاء قبل أن أصب فوقه الماء، وأعطيته الرجل ليتوضأ، فيما عيوني كانت غارقة في دموعها وهي تكابر.
هدأت نفسي وانفعالي، وربما خالطت دموعي ابتسامة ما حالما شاهدته يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه ومحيّاه.. لقد أصاب حمقي من كان بريئاً من صفعي بالحذاء، حتى وإن استشعرت حينها أنه بعض سبب يستحق العقاب.
المفارقة كبيرة بين من يتجرّأ على فعل هذا، وفي مقام آخر يخجل من أن يسمع الناس صوته.. مفارقات عجيبة أحياناً تجمع ما لا يجتمع.. ربما حالي في بعض منه يشبه في أيامنا هذه من يدعي أنه قاوم سبعة عشر قدراً فيما يرتعب ويرتعد من كلمة، أو منشور في وسائل التواصل الاجتماعي.
لن يحدث هذا إلا لوجود عور وخلل في دماغ وكينونة المدّعي، وأساس من استبداد المخاوف الكبيرة، والحيلولة دون وجود انكشاف عن أخطاء، وخطايا جسام من فساد وانتهاك، وافتقاد ثقة بألف ضعف مما كنتُ أعاني في صغري وحداثة سني.. هكذا بدت لي الحياة تعج بالنظائر والعجائب، وحافلة بالتناقضات والمفارقات والمخاوف.
* * *
كان عمري يومها أقل من خمس عشرة سنة على الأرجح.. توقف أبو شنب بسيارته "اللاندروفر" عندما أشرت له بالوقوف والسماح لي بالصعود إلى سيارته، فيما كنا نسميه "تعبيره".. كان أبو شنب الشعبي رجلاً طيباً جداً، ومعتاداً على "تعبير" الطلاب الذين لا يملكون مالاً، دون أن يأخذ منهم أجرة نقل، ولا سيما إذا وجدك راجلاً في الطريق وترجوه خجلاً بإشارة من يدك أن يوصّلك.
كان السائق عائداً إلى منطقة "ضوكة"، فيما كنت أنا قاصداً "شعب الأعلى"، مجفلاً إلى قريتي في القبيطة.. كانت السيارة مزدحمة بالركاب.. وقف لي السائق بسيارته وتسلقت على حدائدها، و ظفرت بمكان صغير في مؤخرتها.. وبعد قليل تفاجأت أنّ السيارة متجهة إلى غير وجهتي.
كنت أظن وجود شخص أو أكثر ممن تقلهم السيارة سيطلب من السائق التوقف للنزول منها، لعل وجهتهم تماثل وجهتي، غير أن الخيبة داهمتني، وأنا أكتشف أن الجميع على غير الاتجاه الذي أقصده.
الجميع متجه إلى "ضوكة".. وبسبب خجلي وما يتملكني من رهاب، لم أتجاسر على أن أصرخ أو حتى أطلب الوقوف للنزول من السيارة التي تقلني.. كانت السيارة تسير بسرعة في وجهتها، وتبتلع المسافات بنهم وشراهة، فيما أنا آثرت القفز منها على طلب إيقافها.. كاد أن يقول الناس عنّي "ومن الخجل ما قتل".
قفزت من السيارة.. ارتطم جسدي على الأرض.. خلت جسدي في أول وهلة قد تطاير كالزجاج.. ارتطم ذقني على الأرض بقوة.. اصطكت أسناني واحتدمت ببعضها.. ارتطم الفكاّن فوق بعض حتى فقدت التميز بين علوه وسافله.. أحسست أن رأسي تفجر وتطاير كشظايا قنبلة.
شاهدت شرراً قادحاً من عيوني يخر في كل اتجاه.. شعرت أن الارتطام قد صيرني حطاماً متطايراً لا يُجمع ولا يجتمع؛ فيما كان ركاب السيارة يصرخون وقد شاهدوا بغتة وقوع أحد ركابها منها دون أن يعلموا أنني فعلتها بمحض إرادة سببها الرهاب والخجل.. أوقف السائق السيارة على إثر صراخ الركاب ليرى ما الذي حدث..؟
تعددت الإصابات في جسمي.. دم يهر من سحجات وخدوش متفرقة في جسدي.. تهتُّك بعض من قميصي، وسروالي صار مغبراً متسخاً.. الغبار والدخان كانا أكثر وضوحاً، وكأنني خرجتُ من مدخنة السيارة.. دم يهر من الخدوش، ويسيل بعضه من أسفل الذقن.
نزل السائق من كبينة السيارة ليرى ما حدث، فيما أنا غالبت وقع الارتطام وشرر الألم، ودفعني الحرج والخجل الأشد أن استجمع قواي، ونهضت بمكابرة لا يعرفها من هو حديث السن، لأنقل لمن كان في السيارة التي وقفت أنني معافى وعلى ما يرام، فيما السائق بدا في سعادة الناجي، وكأنه هو الناجي لا أنا.. كانت مكابرتي ونهوضي السريع بدافع الخجل قوية وغالبة، ودون أن أتفوه ببنت شفه.. بدوت في شكل من يتحمل مسؤولية ما حدث كاملاً دون نقصان.
وبعد مشقة ومغالبة للألم وصلت إلى بيتنا في شرار، وأول ما شاهدتُ وجهي على المرآة كان ذقني الجريح.. رأيت أسفل الذقن جانباً زائداً وجانباً ناقصاً في غير اتساق.. اختل النسق والاستواء.. مازال هذا الاختلال والعور ملحوظاً إلى اليوم، ويستطيع أن يلمحه من يتفحصه بالنظر.
اليوم كبرنا وصرنا والوطن نصرخ بكل صوت.. السيارة التي تقلنا بلا مكابح، ولا كشافات ولا أبواب.. سيارة يعترك على مقودها من لا يمتلك رخصة، ولا يجيد فناً أو قيادة.. مجانين حرب، لا يجيدون حتّى حساب الربح من الخسارة.. السيارة تمرق بأقصى سرعة وجنون.. استحال علينا حتى القفز منها.. باتت تهرول نحو المنحدر.. بات مصيرنا والوطن مجهولاً ومرعباً.
وأختتم هنا بالتذكير أن للصمت – ربما أيضاً – معنى وصوتاً أجل وأكبر من ذلك الضجيج الذي نسمعه.. وإن استبدت بنا مخاوفنا حينا، وصار صمتنا أكبر من الضجيج، فربما أيضاً لا يخلو من حكمة وعبرة وبصيرة، وما نحتاجه هو عالم ومحيط يفهمه، وقد قالها شمس التبريزي يوماً إن للصمت أيضاً صوتاً ولكن بحاجة إلى روح تفهمه.
* * *


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.