تناور الرئاسة اليمنية في امتصاص أي تحرك سياسي أو مجتمعي يهدف الى تحريك الشارع اليمني لتحقيق أهداف عدة منها إرغام اطراف التوافق الوطني على تغيير الحكومة الحالية وإيقاف مسلسل التدهور العام في كل المجالات وتفشي ظاهرة الفساد المالي والإداري. مؤخراً .. لجأت الرئاسة الى منح وعود عدة لأطراف خارج التوافق الوطني بهدف إيقاف تحركات كانت تنوي الخروج للمطالبة بإقالة الحكومة. فيما تخبطت الحكومة ومن يقف ورائها إزاء مطالب أطلقها ناشطون للخروج الى الشوارع فسارعت الحكومة الى إطلاق التهم والتحذير من الخروج وإشعال الفوضى متهمةً أطراف سياسية بالوقوف خلف تلك التحركات بهدف تقويض عملية التسوية السياسية. لقد أصاب إعلام الحكومة حالة من الهوس والجنون قبل خروج عشرات الشباب في 14يناير الماضي حتى أن قناة اليمن الرسمية ظلت تحذر من الخروج حتى ساعات متأخرة من الليل عبر شريط إخباري إضافي "عاجل" أعاد الى الذاكرة طريقة أداء القناة أثناء أحداث 2011م . و رغم ان مطالب إقالة الحكومة تجد تأييد شعبي واسع إلا أن تحريك الشارع لا يزال مرتبط الى حد كبير بالقوى السياسية الكبيرة التي كانت تتخذ من الوظيفة والمال العام وسيلة لتحريك الشارع فيما قوى ايدلوجية تستطيع تحريك أعضائها وإخراجهم كالإخوان والحوثيين. اليسار اليمني أستطاع مؤخراً حشد الكثير من أنصاره بالعاصمة صنعاء في مسيرة جماهيرية في ذكرى اغتيال جار الله عمر. حينها قال الكثير أن اليسار على طريق استعادة دوره المنوط به في مثل هذه المرحلة التاريخية التي تمر بها البلاد. و مع أن اليسار برمته لم يتحرك ضمن تحالف عام بين مختلف القوى التي تقترب أو تتفق مع فكر اليسار إلا أن تلك التظاهرة كشفت عن حاجة ملحة لهذه القوى بأن تتكتل في ظل مخاوف الكثير من عودة التحالفات القديمة الى صدارة المشهد السياسي مجدداً. الكثيرون يقولون أن الرئاسة اليمنية بل وأطراف التوافق يراهنون على أن الشارع اليمني لن يستجيب لأي دعوات للتظاهر خارج أطر ومكونات التوافق وبالتالي فإن التوافقات ومنطق التسويات والصفقات يجب أن يشمل الجميع ليتسع لكل المكونات القادرة على التأثير على الحكومة والعملية السياسية برمتها ليضم تلك الأطراف. و لهذا السبب يسارع الرئيس هادي الى منح الوعود لأي قوة تدعو للخروج على التسوية برمتها أو إزعاج حالة التوافق ليس استجابة لمطالب شعبية بل لتحقيق أهداف ومصالح تلك القوى. كل ذلك يدور في كواليس السياسة فيما تعلن جبهة إنقاذ الثورة ك"مكون ثوري" أصيل ونزيه عن خوضها غمار تجربة الخروج الى الشارع في 11من فبراير القادم وهو الذكرى المفترضة لثورة الشباب. و هو ما يجعل التوافقيين أمام إحراج جديد فتاريخ الجبهة والقائمين عليها لا يشجع الرئاسة بل والحكومة وكل أطراف العملية السياسية على عقد صفقة أو منح وعود سيما والجبهة برئاسة حاشد استطاعت وخلال فترة وجيزة أن تتبنى ملفات شديدة الحساسية كلمف جرحى الثورة إضافة الى فتحها ملفات فساد عدة متورط فيها كل الأطراف المشاركة في الحكومة. و يأتي خروج جبهة الإنقاذ انتصاراً لقضايا شعبية وحقوقية ساهمت الجبهة خلال الأشهر الماضية في تحويلها الى قضايا رأي عام في مبادرات عدة لإعادة بعث الحياة مجدداً الى روح الشارع اليمني و استنهاض الإرادة الشعبية للمطالبة بتحقيق التغيير الشامل والكامل. و مع أنها ليست المرة الأولى التي تقرر فيها الجبهة الخروج إلا أن الخروج القادم سيؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الجبهة تقود الخط السياسي الثالث وتتصدر قائمة المكونات الأكثر اقتراباً من الهم اليومي للمواطن وتبنياً للقضايا المجتمعية في طريق الانتصار لثورة فبراير وشهدائها الأبرار.