لو لم يكن الحوار للمستقلة لرفضته بدأ مشواره الفني وهو طفلاً لم يتجاوز العاشرة.. أصوله حضرمية.. لكنه ولد وترعرع في لحج الخضيرة.. وأقام في عدن.. يملك ابتسامة طفولية.. ووجه وسيم وبشوش.. هادئ، خلوق مشهود له بالشهامة والكرم الحاتمي.. صوته قوي وعذب.. دافئ ورخيم - يغني فيطرب - ويؤدي فيبدع. يلحن ويعزف على آلة العود بإتقان.. مولع بالسياسة منذ كان في سنوات المراهقة وبداية الشباب، وتربطه صداقات بسياسيين يمنيين وخليجيين.. رغم مشاركته المستمرة في إحياء الحفلات الفنية التي أقيمت في عدد من المحافظات اليمنية احتفاءً بعيد الوحدة إلا أنه فاجأ الجمهور اليمني والساسة اليمنيين في السنوات الأخيرة بأعمال فنية وأوبريتات غنائية سجلها خارج اليمن، تمجد الجنوب وأبناء الجنوب.. ويطالب ببراميل الشريجة يرجعين.. وأنه كما قال في أحد أغنياته لا يبا وحدة ولا هو وحدوي.. فما الذي حدث؟ وما سبب هذا الانقلاب والتحول من الدفاع إلى الهجوم؟.. وكيف يهجو اليوم من مدحه بالأمس؟ هذه التساؤلات وغيرها.. أجاب عليها من خارج الحدود الفنان الخواجة عبود في حوار شيق جريء ونادر تنفرد بنشره (أدب وفن) المستقلة فإلى الحوار..عبود في سطور عبود زين محمد السقاف "الخواجة"، 37 عاماً من مواليد محافظة لحج، متزوج، ليس له أبناء، خريج معهد جميل غانم للفنون - عدن - تخصص آلة الكمان، يجيد العزف على لة العود والإيقاع، شارك في العديد من الحفلات والمهرجانات المحلية والخليجية والعربية، مطرب وملحن، له عدد من الألبومات الموسيقية والجلسات التراثية من إنتاج نجوم العرب للتوزيع الفني. عبود.. كيف الحال؟ وأيش أخبارك؟ الحمد لله بخير.. الله يسلمك.. وأنتم كيف أحوالكم وأيش أخباركم؟ نحن أيضاً بخير ولا سؤال لنا وجمهورك سوى عنك أنت لذا تود صحيفة المستقلة إجراء حواراً صحفياً لتطمئن الجمهور عنك وتحدثهم عن أخبارك، فهل ستجد أسئلتنا صدراً رحباً لديك؟ أولاً: شكراً لكم وللجمهور الكريم لسؤالكم عن شخصي المتواضع.. وبالتأكيد سأتقبل أسئلتكم بصدرٍ رحب.. ولكن وهذا ثانياً هل الحوار فني؟ وهل تتوقع أن يكون غير ذلك؟ نعم فأنا أعرفك جيداً.. وأعرف نوعية أسئلتك الغريبة والغامضة، وكم من الفنانين وقعوا في فخ مصيدة أسئلتك وكانوا ضحايا لعناوينك المحرجة "يضحك". "أشاركه الضحك" أسئلتي الحقيقة خليط من هذا وذاك ومن هنا وهناك فهل نبدأ؟ الله يستر.. اتفضل ابدأ. لست متناقضاً.. من سنة 2000 وأنت تشارك في احتفالات عيد الوحدة وفي العام 2008 قدمت أوبريت وأعمال غنائية مناهضة للوحدة، فما سر هذا الانقلاب والتحول المفاجئ؟ وما أسباب هذا التناقض؟ أولاً: أنا لست متناقضاً ولم يكن في الأمر أي تناقض.. وثانياً التحول الذي تتحدث عنه لم يكن من قبيل المزاجية أو وليداً لفكرة عابرة طائشة.. بل أن له أسبابه ومبرراته. هل لنا بمعرفة هذه الأسباب والمبررات؟ هي أمور شخصية بالنسبة لي وهي كذلك أمور عامة يعرفها الجميع من الذين عاشوا وتعايشوا مع الأوضاع التي مر ولازال يمر بها الوطن. اختيار الأصدقاء حرية شخصية لكن يقال أن أسباب تحولك من الدفاع للهجوم كان للبحث عن الشهرة" ويقال أنك لم تستطع الصمود أمام الإغراءات والعروض السخية التي قدمت لك من شخصيات كبيرة تعيش خارج الوطن في إشارة لصداقتك بنجل علي سالم البيض الذي كنت تلتقي به وبغيره بين الحين والآخر في سلطنة عُمان ؟ في الغالب أنا لا أحبذ الحديث عن نفسي لكنك تدفعني بسؤالك لفعل ذلك، فمن قال بأني لست مشهوراً؟ أنا من قبل ما أغني تلك الأعمال معروف ومشهور على مستوى اليمن والجزيرة والخليج ولست بحاجة لتأكيد هذا الكلام فالجميع وفي مقدمتهم من زعموا هذا الزعم يعلمون ذلك. أما بخصوص الإغراءات فهذا كلام فاضي لا أساس له من الصحة وأتحدى من اتهموني بذلك أن يثبتوه، أما عن صداقاتي بولد علي سالم البيض أو بغيره فأنا حر وكل إنسان حر كذلك في اختيار أصحابه وأصدقائه، فهل هناك نص في القانون يلزم المواطن أياً كان بتحديد أصدقائه وتقديم كشفاً بأسمائهم.. هذه حرية شخصية ولا يحق للآخرين التدخل فيها. إذن هذا يعني إنك غنيت تلك الأعمال عن قناعة شخصية ودون أي ضغوط مورست عليك أو إغراءات قدمت لك؟ نعم هذا صحيح. لماذا؟ إذا شفت ما تكره فارق من تحب. وما الذي شافه عبود وجعله يغني "لا نبا وحدة ولا نا وحدوي" وتريد "براميل الشريجة يرجعين"؟ لست أنا من يقرر .. الجماهير هي من تقرر ذلك.. الوحدة حياة لا شك في ذلك لكنها موت إن لم يتوفر فيها الأمن والأمان والعدل والإنصاف والمساواة ووقف الظلم وكف أيدي الظلمة من البطش بالكثيرين من البسطاء من أبناء الشعب. - أنت تناقض نفسك، فكيف تطالب بوقف الظلم وأنت تمارسه ضد الوطن والمواطن اللذان لا ذنب لهما فيما حدث ويحدث من ظلم وبالتالي من الظلم أن تدعو لانفصالهما، مع العلم أن هناك محافظات في شمال الوطن تعاني أكثر بكثير مما تعانيه المحافظات في جنوب الوطن؟ أتحسب أن مسألة الانفصال أمر هين علينا وعلى أي يمني؟ والله إن كلمة انفصال وحدها حين ننطقها تدمي القلوب، الوحدة عز والتمام الشمل قوة ولكن آآه... لماذا لا تجب على الأسئلة بصراحة وبشكل مباشر وتراوغ بدبلوماسية ولا تعطني رداً شافياً؟ - أخي خالد لو لم تكن صديقاً عزيزاً وفي صحيفة محترمة لكنت رفضت كما رفضت سابقاً، وسأرفض لاحقاً إجراء أي حوار صحفي يخوض في مثل هذه الأمور التي تسألني عنها الآن. وصدقني أنني أجيب على أسئلتك بمنتهى البساطة وعلى الفور وبدون ثقالة وبتلقائية شديدة. قيل بأنك كنت بصدد تسجيل أعمال غنائية أخرى في ذات السياق الداعي للانفصال؟ أبداً لا توجد نية حالياً ولا مستقبلاً لتسجيل مثل هذه الأعمال. معروف عنك الولع بالسياسة منذ زمن طويل، فهل عبود خواجة سياسي ظل طريقه إلى الفن؟ إذن فالشعوب العربية بما فيهم الشعب اليمني قد ظلوا طريقهم أيضاً لأنه معروف عن العرب الحديث في السياسة في المجالس والمقاهي والمنتديات والمقايل و.. و...، كما أن السياسة نفسها تدس أنفها في كل شيء، وهي عامل مشترك يجمع بين الرياضة والفن والاقتصاد والثقافة والإعلام والصحة وغيرها.. المصالح مشتركة بين الوالد والأعمام أنت ممنوع من دخول اليمن والسعودية وسلطنة عمان فهل صدرت قرارات رسمية من هذه الدول بمنعك من دخول أراضيها؟ وإذا اعتبرنا سبب المنع اليمني معروفاً.. فما أسباب القراران السعودي والعماني؟ فعلاً أنا ممنوع من دخول بلدي بقرار رسمي أو رئاسي أو أمني، أنا ممنوع من الدخول وخلاص وبالتالي فلا عجب أن مُنعت من دخول السعودية وعُمان، فإذا منعك والدك من الدخول إلى بيتك فلا تنتظر أن يدخلك الأعمام بيوتهم لأن هناك تعاون واتفاقيات ومصالح مشتركة بين الوالد والأعمام. الأرض والإنسان.. يبادلاني الحب ألا تنوي القيام بتسجيل عمل غنائي يكن بمثابة الاعتذار عما تغنيت به في الأعمال السابقة وكانت وراء منعك من دخول الوطن؟ أنا لم أخطئ في حق الوطن ولن أخطئ واليمن كلها بكل شبر فيها هي وطني الذي أفديه بروحي ودمي.. وكل أبناء اليمن إخوتي وأحبتي، لهم كل حبي وتقديري.. فالوطن أرضاً وإنساناً يبادلاني الحب.. ومن المستحيل أن يمنعاني من رؤيتهما وهما يعلمان حبي وشوقي لهما.. ويعلمان أيضاً أني لم ولن أخطئ في حقهما فلمن أعتذر؟ بدون لف ودوران عبود.. يا أخي أشتي إجابات محددة بدون لف ودوران؟ يعني أيش تشتي أصور لك قرارات الدول بمنعي من دخولها وإلا أرسل لك اعتذار مختوم بدون اسم وأنت تحط الاسم اللي تباه.. أيش تقصد وأيش المطلوب مني بالضبط.. أنا أقصد اعتذار لفخامة الرئيس وأنت فاهم؟ الرئيس والد الجميع.. والأب لا ينتظر وليس بحاجة لاعتذار الابن. ما يحدث.. يُحزن الجميع ما رأيك بما يحدث الآن داخل الوطن من حراك في الجنوب وحرب في صعدة وتحركات لتنظيم القاعدة؟ ما يحدث حالياً داخل الوطن يٌحزن كل مسلم غيور وكل قومي.. فما بالك بابن البلد؟ والله إننا نشعر بالأسى والألم يعتصر قلوبنا لكن ما باليد حيلة فلكل سبب مسبب ولكل فعل رد فعل ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. ماذا تفعل الآن في دولة قطر وهل استقر بك المقام فيها؟ أنا الآن أحظى بضيافة كريمة من حكومة وشعب دولة قطر الشقيقة والحبيبة وأتولى الإشراف على فرقة إذاعة صوت الريان الموسيقية المكونة من خيرة وأفضل العازفين العرب من اليمن وقطر ودول الخليج والعراق ومصر. وبالفعل لقد استقريت في هذا البلد الصغير الرائع وطاب لي المقام فيه وحظيت بالحب والاحترام والتقدير من كل الإخوة والأشقاء في قطر الخير. لا داعي للسياسة.. أنت في قطر سمعنا أن الأشقاء القطريين كانت لهم شروطاً مقابل إقامتك لديهم؟ هو شرط واحد كنت عازماً على تنفيذه طواعية من دون أن يطلب مني وهو البعد عن السياسة وترك كل ما يمت لها بصلة وعدم الحديث فيها من قريب أو من بعيد ما دمت متواجداً في الأراضي القطرية. لابد من العودة ولو لقيت حتفي عبود هل اشتاق للوطن؟ وهل تحلم بالعودة؟ وماذا تود قوله في نهاية الحوار؟ أشتقت لأمواج بحره ولذرات رماله.. واخضرار حقوله.. ونسائم هواه، وشذى عبير أزهاره، اشتقت لقراه وأريافه.. وحواريه ومدنه.. اشتقت للحجوعدن وحضرموت وأبين وصنعاء وإب والحديدة.. اشتقت لسماء وطني وأرض بلدي وأبناء بلدي. اشتقت لوطني فهو الأب والأم والأخ والأخت.. والزوجة والأبناء.. والعشيقة والحبيبة والصديق والصاحب.. بالتأكيد سأعود يوماً ما.. فنشيج الأرض التي ولدت وترعرعت فيها إذا ناداك فإن الحنين يدفعك دفعاً فتيمم وجهك شطر رائحة النشيج دون أن تشعر ولا تبالي حتى وإن لقيت حتفك. وفي الختام سامحك الله قلبت علي المواجع - والدموع التي أجاهد وأكابر منذ زمن حتى لا أراها تتدحرج من فوق خدودي - جعلتها أنت تنهمر كالسيل دون أن أشعر أو أتمكن من إيقافها. عموماً لك كل حبي وشكري وتقديري يا صديقي العزيز ولزملائك في الصحيفة.