غيل بن يمين وادي الإرهاب الخفي وملاذ للجماعات المتمردة والإرهابية    ناشطون: الموساد يُدير معركة حضرموت    احتجاجات واسعة في مقديشو تنديدًا باعتراف العدو الصهيوني بإقليم أرض الصومال    المنتخبات المتأهلة إلى ثمن نهائي كأس الأمم الأفريقية 2025    الشرعية حين تتحول من مبدأ قانوني إلى أداة تعطيل    لسنا بنادق للإيجار.. كاتب جنوبي يؤكد الشراكة مع التحالف ويحذر من استهداف قضية الجنوب    أكد موقف اليمن الثابت مع الصومال ضد العدو الاسرائيلي .. قائد الثورة: أي تواجد إسرائيلي في إقليم أرض الصومال سيكون هدفاً عسكرياً لقواتنا المسلحة    نائب وزير العدل يتفقد تجهيز مقرات المحاكم الابتدائية المنشأة حديثًا بأمانة العاصمة    وزارة الصحة: العدوان استهدف 542 منشأة صحية وحرم 20 مليون يمني من الرعاية الطبية    حمداً لله على السلامة    الإفراج عن 108 سجناء من الحديدة بمناسبة جمعة رجب    خلال تدشينه مشروع التحول الإلكتروني لصندوق التقاعد الأمني .. اللواء المرتضى: المتقاعدون يستحقون الاهتمام فقد أفنوا سنوات طويلة في خدمة الوطن    صحيفة بريطانية: توترات حضرموت تنذر بانفجار صراع جديد يهدد مسار التهدئة في اليمن    المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام ينفذ عمليات واسعة لإتلاف مخلفات العدوان بمحافظة الجوف    إيمان الهوية وهوية الإيمان    تكريم البروفيسور محمد الشرجبي في ختام المؤتمر العالمي الرابع عشر لجراحة التجميل بموسكو    مرض الفشل الكلوي (34)    حين يكون الإيمان هوية يكون اليمن نموذجا    الهوية والوعي في مواجهة الاستكبار    الدكتور هادي دلول أستاذ العلاقات الدولية والمستشار في الفيزياء النووية في طهران:نبارك اتفاق إطلاق الأسرى في اليمن وتنفيذه متوقف على مصداقية الطرف الآخر والتزامه    الطبيب الخزان يشكو ما تعرض له في مبنى قضائي بصنعاء للنائب العام    فلسطين الوطن البشارة    المكلا حضرموت ينفرد بصدارة المجموعة الثالثة بدوري الدرجة الثانية لكرة القدم    العليمي يشن الحروب على الجنوب لحماية سرقاته لنفط شبوة وحضرموت    العرادة يدشن حزمة مشاريع خدمية وتنموية لتعزيز البنية التحتية في مأرب    الشؤون الخارجية بالانتقالي تبحث التعاون مع المفوضية السامية وتؤكد احترام المجلس لحقوق الإنسان    الأرصاد: سحب منخفضة كثيفة على سقطرى والسواحل والمرتفعات المحاذية    منذ أكثر من شهر.. مليشيا الحوثي تمنع دخول عشرات الشاحنات المحملة بمادة الأخشاب    ميلان يقسو على فيرونا بثلاثية ويعتلي صدارة "الكالتشيو" مؤقتاً    مجلس الأمن الدولي يعقد جلسة طارئة غدا لبحث الاعتراف الإسرائيلي ب"أرض الصومال"    ورشة حول الصحة والسلامة المهنية بصنعاء    بيان مليونية سيئون يجدد التفويض للرئيس الزُبيدي لإعلان دولة الجنوب العربي    أمين العاصمة يتفقد أعمال صيانة شارع سبأ بمشاركة مجتمعية    خفر السواحل تحذر من السباحة قبالة سواحل عدن وأبين وشبوة    المحرّمي يطّلع على سير العمل في المؤسسة العامة للاتصالات وخططها المستقبلية    هل بات قادة اوروبا يخشون "سلام ترامب" في أوكرانيا؟!    نيجيريا تسقط تونس في مباراة مثيرة وتبلغ ثمن نهائي كأس أمم إفريقيا    هروب    الاعتراف الإسرائيلي بالصومال خطر يهدد الجنوب العربي وخليج عدن    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    رشاد العليمي يسهل لنجله عبدالحافظ سرقة نفط حضرموت    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    الصحفي المهتم بقضايا الناس وانشطة الصحافة الثقافية عبدالعزيز الويز    قراءة تحليلية لنص «صدمة استقبلتها بقهقهة» ل"أحمد سيف حاشد"    دوري روشن السعودي: اتحاد جدة يهزم الشباب بثنائية نظيفة    اكتشاف آثار حضارة متطورة في باكستان    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    اتحاد حضرموت بحافظ على صدارة المجموعة الثانية بدوري الدرجة الثانية    مأرب تحتفي بتخريج 1301 حافظًا وحافظة في مهرجان العطاء القرآني    القيادة التنفيذية العُليا تناقش الجهود المبذولة لتأمين الخدمات للمواطنين ومراقبة أسعار الصرف    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النكتة.. «خفّة دم»، وارتجال في أصعب المواقف
نشر في يمني سبورت يوم 05 - 02 - 2015

النكتة... أسرع وسيلة لغسيل دماغ الإنسان وأكثر أنواع الأيديولوجيا الفكرية تدميراً.. استخدمت في معظم حروب العالم ضمن الحروب النفسية و الإعلامية لتدمير العدو، والنيل من مبادئه وقدراته وهزّ ثقته في نفسه!!((النكت.. الفكاهة.. الطرفة )) قد تحط من قدر شبابنا، أو وطننا، أو رموزنا الوطنية والاجتماعية والدينية، ولكننا ننشرها بسرعة البرق! نضحك عليها بمنتهى السطحية وقلة الوعي وكأنها لا تعنينا.. مع أنها قد تسخر منك أو من أهلك ومدينتك.. هل أصبحت النكتة توثّق «واقع المجتمع» وتكشف المستور بطريقة استفزازية أحياناً؟؟!!
وهل وسائل الاتصال الحديثة من «حواسيب»، و«أنترنت»، و«جوالات»، أثبتت بشكل مفاجئ وقطعي ما يتميز به الشعب من خفة دم وقدرة على تذوق النكتة وتأليفها، جعلت صناعة الطرفة إحدى أبرز صفات الشخصية العامة للدول، حتى أن بعض شعوب العالم عرفت تلقائياً بصفة “خفة الدم”، والقدرة على ارتجال الطرفة في أصعب المواقف.. وهل أصبحت النكتة تجد لنفسها موقعاً على خارطة برامجنا اليومية واهتماماتنا، وما دورها بتناول القضايا الوطنية والدينية والاجتماعية؟.
نكتة تُضحك وأخرى تُبكي
لعل المتتبع للحياة الزوجية سيستنتج من خلال النكات المطروحة في الكتب، أو المتناقلة شفهياً، والتي يسوق بعضها في طيات ذلك، تظهر أن المرأة أكثر اندفاعاً للزواج من الرجل، وأنها أكثر تسلطاً، وإنها تريد حبسه في البيت من غير أن تترك له دوراً فيه.. لكن أن تكون هناك نكتة هي السبب في طلاق رجل لزوجته فهو كما يُقال المثل: الحماة حمة وأخت الزوج عقربة سامة.!
أم البراء - موظفة تربوية تصف تجربتها مع النكتة التي أحالت زواجها إلى خبر كان (لم أكن أعرف أن زوجي كبير السمع وقليل الإدراك، فبينما كنت ذات مرة مع حماتي وبنتها في ضيافة إحدى النساء لم تخبرنني أن المرأة التي استضافتنا لا تحب تناول النكت عن قبيلتها والجماعة التي تنتمي لها وللأسف تلك المرأة هي والدة مدير زوجي في العمل.. فما كان من تلك المرأة إلا أن تركتنا لوحدنا في المجلس كأسلوب دبلوماسي لطردنا فاشتطت حماتي غضباً يصف الحالة لزوجي وكانت ابنتها تزيد الريح على النار فجاء ذلك بطلاقي.)
الكثير من النكات هي التي تتطرق إلى الفجوات في تعامل الزوجة مع حماتها كونها تشير إلى التأثير السلبي للمشاحنات بين الحماة والكنة، وتدخلات الحماة بين ابنتها وزوج ابنتها والكثير من النكت تتطرق أيضاً إلى تناول الخيانات الزوجية، رابطةً إياها بذكورية المجتمع، ويُقال لكل شخص طريقة لاجتذابه وغالباً ما تشدني الفكاهات والنوادر وتحطم سياج الصمت بعد تشريد الهموم وتحرير العقل ولطالما كانت الطُعم الذي تصطادني به صديقاتي وأقاربي في مواقع التواصل الاجتماعي كي أرد على تلك الرسائل الفكاهية برسومات الضحكة الرمزية كتعبير بسيط وامتنان خالص بأنها جاءت في موعدها بينما عند البعض الآخر تحاول استفزازهم بتخصيصها على مناطق كالعدين وتارة على تعز وتارة على إب ولم يكونوا يستفزوني بقدر ما يتعبوني بإعادة تحريرها ومسح بعض الكلمات المستفزة أمثال (عديني - تعزي- ذماري- صنعاني.. إلخ) حتى أرسلها للآخرين وهي خالية من الشخصنة فليس الكل قد يتقبل ذلك الاستفزاز بروح رياضية.. مثال ذلك ما صارحتني صديقتي المقربة جداً أيام المدرسة والتي غابت فجأة وقابلتها صدفة ذات يوم في إحدى المحافظات بعد خمس سنوات فاعترفت أنها لم تستطع تحمل كثرة السخرية المسلطة عليها وعلى قومها في النكات وخصوصاً أنها تعاني من مرض وراثي في القلب.
تاريخ الفكاهة.. تاريخ الأدب
أصبح الإنترنت وسيلة الاتصال التي تجمع الكثير في مجلس حواري واحد وتخصص مواقع التواصل الاجتماعي التي انتشرت أخيرا ومنها (الواتس آب) والتي توفر مجموعاتها الواتس التي تضم بعض الأفراد لتبادل الأفكار في القضايا الوطنية والسياسية والاجتماعية وفي ذات مساء كانت إحدى المجموعات على الواتس آب والتي سميت ب (أضحك وبرد قلبك) قد أثارت نقاشاً حاداً انتهى بخصام وألفاظ نابية وكلمات جارحة أحد من السيف فقد كانت شرارة تلك الإثارة نكتة شديدة السخرية من فئة معينة مما جعل أفراد تلك الفئة يطالبون بتحييد المجموعة عن الصراعات الفئوية فجاءت مداخلة أحد المشتركين فؤاد عبدالسلام - طالب جامعي تخصص آداب بالقول (الأدب العربي غني بالنوادر والنكت، ومنذ فجر الإسلام عُني الأدباء بتدوين النكت عنايتهم بتدوين المواعظ وترجموا لأشعب المضحك، كما ترجموا لجرير والفرزدق والأخطل، فلما جاء عصر التأليف كان للجاحظ وابن قتيبة فضل كبير في توجيه المؤلفين إلى الناحية المضحكة في الأدب، فالجاحظ يؤلف ما يُضحك كرسالة ويروي ما يُضحك في ثنايا كتبه، وينبه إلى أنه إنما يفعل ذلك «التربيع والتدوير» ليزيل عن القارئ السأم.. وابن قتيبة في أول كتابه « عيون الأخبار» يقول: إنه حلَّاه بالنوادر الطريفة والكلمات المضحكة ليروِّح القارئ من كد الجد وتعب الحق فالمزح إذا كان حقٍّاً وكان في أحايينه وأوقاته فرج عن النفوس وبعثها على النشاط.
ومما يؤسف له أن الذين كتبوا في تاريخ الأدب العربي على النمط الحديث لم يُعْنَوْا ببحث هذا الباب عنايتهم بغيره، فقد عقدوا أبواباً لدراسة الشعر ولدراسة المقامات والرسائل ولم يعقدوا باباً للفكاهات يدرسون فيه تطورها مع أنها جزء مهم من الأدب كأهمية الشعر والخطابة.
النكتة الذمارية مصدر حصري ل«الزبج»
لربما سكنت النكتة وتربت وأكلت وشربت ثم ترعرعت وتوسعت في حياتنا كمجتمع يمني يأبى إلا أن يواجه تقلبات الظروف ومنغصات الصراعات السياسية بالبحث عن آخر الفكاهات.. ويُعرف المجتمع الذماري بأنه فكاهي بطبيعته ومتمرّس في تطويع الحياة بتفاصيلها للسخرية حتى اشتهر بالتناول اللاذع للقضايا السياسية والاجتماعية على مر الأعوام، فالتصقت النكتة بذمار كمصدر حصري ل«الزبج» الذي له طابع خاص، مما زرع البسمة في شفاه أحدهم حين يتيقن أنك من ذمار فيباشرك بالسؤال: ما هي آخر نكتة؟!
أم عبدالله محمد تعتبر (إن شخصية كلفوت البطل الحصري الذي كان ينتظر شهادة مزاولة المهنة في النكات التي انتشرت عنه ولم يكن ينافسه أحد في رواياتها.).
ولا يمكن للظروف العامة في البلاد أن تمر دون أن يتلقفها الذماريون ويتعاطون معها على طريقتهم الخاصة.
ويشهد لأهل ذمار الروائي - محمد الغربي عمران (في ذمار وخاصة سكان المدينة ما أن يدخل أحدهم على المقيل حتى يطالبوه بآخر نكتة)، ليواصل قوله (وأرى أن النكتة تسري في دم الإنسان وهي شيء من السخرية خاصة إذا ما تأزمت الأوضاع وصعب الواقع على الفرد وما نعيشه حقل خصب للنكتة وأصبحنا نرى أن كثيراً من المدن يتبادل سكانها النكات على جيرانهم مثل إب والتي دوماً ينكت سكانها على ساكني جبلة، وساكني ذمار على يريم وهكذا وفي مصر اشتهرت النكتة على جنوب مصر الصعايدة مما جعل النكتة تصبح وسيلة للسخرية سواء على الوضع السياسي أو الأوضاع الاجتماعية وهي أدب بل وأدب راقٍ، وأخيراً نرى أن الأقصوصة تحمل روح السخرية ونجد أن مفارقتها هي من روح النكتة أو تقترب منها.. إذاً النكتة أدب يسخر فيها الفرد والمجتمع من واقعه).
النكتة.. تاريخ للتطور والانحطاط
كان تصريح الروائي الغربي عمران عن أدب النكتة يشدني إلى البحث عنها في الكتب فيبدو أن تاريخ الفكاهة هو تاريخ الأدب وجد معه منذ نشأته وترقى أو انحط أيام رقيه وانحطاطه، وكانت عناية الفرنج بالفكاهة ودراستها في أدبهم وتاريخه أكثر من عنايتنا في أدبنا، وعرض لها النقاد لديهم كما عرضوا لكل أنواع الأدب وطبقوا على النكت ما قالوه في الفن الجميل، فكما قالوا «الفن للفن»، قالوا«النكتة للنكتة» وأن الذى يدرس الذوق في الأمة ويريد أن يعرف مقدار رقيه وانحطاطه فعليه أن يدرسه في الفنون والملابس والأزياء وفى النكت.
النكتة من المستحيلات
(نحن بحاجة إلى أن نروّح عن أنفسنا)كما جاء في حديثِ الحبيب المصطفى لأن النفسيات تصدأ وتكل، ولكن بطرق لائقة ومشروعة وبالكثير من الذوق في مراعاةِ مشاعر الآخرين وبالنسبةِ لموقع النكتةِ في برنامج اهتماماتي اليومية شخصيًا أحاول قدر استطاعتي أن أتصرف حسب الموقف أما بشكلٍ دائم باتت نادرة إلا المواقف التلقائية التي تأتي دون تكلف من البيئة المحيطة في الجامعة أو الشارع أو العمل أو حتى وأنا على متنِ الباص قد نرى مواقف وهي قد تكونُ كما قال: شاعر العربية» ولكنه ضحكٌ كالبكاء» هكذا استطردت الشاعرة بشرى الغيلي متوغلةً في وصفها للنكتة ب(أنوثة شاعرة وعقل امرأة)، لتواصل (ما يؤلم حقاً هو أننا وصلنا لوضعٍ باتت فيه الضحكة أو النكتة أو حتى الابتسامة من المستحيلات، طبعاً تحت كلمة مستحيلات أضع أكثر من خط لأنني أقصدُ أنها لو عرفت طريقها إلى شفاهِ شخصٍ ما فإنها تكون ابتسامة باهتة صفراء يتم اغتصابها على حينِ غفلةٍ من اللحظة بسبب ما يعاني منه المواطن من ضغوطٍ صعبة بالغة التعقيد والمرارة فقد ألقت الأحداث بظلالها على المواطن ومن النادر أن تجدين أحداً في الشارع يمر وهو يبتسم، بات العبوس والتكشير من سماتنا كيمنيين وأرى أن ذلك نتيجة طبيعية لمن أوصلوا الوضع لهكذا حال..).
أما المؤسف الذي تجده بشرى في أروقة النكتة الممزوجة بعبارات ممنطقه بحسب وصفها (أن يتناولها الشخص كمحاولة لإضحاك الآخرين بطريقة استفزازية وغير لائقة أو أن يستخدم آيات من القرآن الكريم ويضعها بغرض الإضحاك أو حتى يضحكهم وهم في نفسياتٍ لا تسمح بذلك نتيجة ما يعانيه الكثير من الضغوط والظروف أو أن الطريقة والوقت غير مناسبين تماماً فهنا ينبغي أن تتجلّى ذوقيات الملقي للنكتة وتلمس نفسية المتلقي وينبغي أن نتنبه للطريقة المناطقية المقيتة التي يلاحظ تبادلها على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) كأن يكتب أحدهم:
واحد ذماري أو واحد ريمي طلع محشش مثل هذه النكات تدعو للمناطقية الممقوتة إضافةً إلى أننا وطن واحد مثل هذه (المَنطقة) تنذر بشيء دخيل على مجتمعنا الواحد ..!.)).
ميكانيزم دفاعي
فيما يتناول في ذات السياق الشاعر والناقد د. قاصد الكحلاني صيرورة النكتة بالقول: (إنها إحدى ميكانيزمات الدفاع النفسي، لدى شعوب عدة تحس بالظلم والقهر، ولا تستطيع تغيير واقعها، فتلجأ إلى وسيلة أخرى من وسائل المواجهة وهي السخرية التي تمنح فاعلها الشعور بالتعالي والتماسك، وتنتقص من الخصم، والنكتة هي الوعاء الحاضن لهذه الآلية النفسية ونعرف قبل الربيع العربي وأثناءه كيف كانت النكتة حاملة للوعي الجمعي ومعبرة عنه. وفي هذا السياق أذكر أن هناك كتاباً اسمه (النكتة السياسية في اليمن)، ويبدو أن للدكتور عباس السوسوة مؤلف في نفس الموضوع كان تحت الطبع).
ويصف الكحلاني تواجدها في الجانب الاجتماعي (يتداول الرجال نكاتاً كثيرة حول العلاقة بين الرجل والمرأة، وعند تحليلها يتضح أنها ليست مجرد نكات، وإنما هي رصاصات فكرية توجّه نحو المرأة، لترسيخ النظرة الذكورية التي تحتقر المرأة وتقتصر كينونتها في اعتبارها وعاءً للذة أو ساعية لها لا أكثر ولعل من المفيد لباحثي علم الاجتماع أن يفحصوا النكات المتداولة ليتمكنوا من تشخيص جوانب عدة في التفكير المجتمعي).
ثغرات فكرية وتربوية
لربما يقول الكثير إن النكات حكر على شريحة دون أخرى – أو سن دون آخر بل أصبحت النكات لها مدلولها المتواجد بين أوساط كافة الشرائح ولربما أصبحت إدماناً واضحاً وصريحاً يكتنف في طياته مصطلحات.
أم مازن الأصبحي - عاملة، تذمرت حين استقبلتها بسؤالي (لا شك أن هناك بعض المصطلحات و الأسماء المرافقة لبعض النكت أو القصص الفكاهية تحوي ثغرات لا تناسب عمر الطفل أو فترته الزمنية في النشأة ولكن لا نستطيع فرض سياج سمعي للطفل المتلقي لتلك المصطلحات التي إن لم يسمعها هناك سيسمعها هنا، لذلك أرى دور الأهل في التربية هو توجيه الطفل و تدريبه تربوياً تجاه تلك المصطلحات و توضيح المفهوم اللفظي والفعلي لها و تأهيله في إدراكها قبل سماعها، لن نستطيع تغيير المجتمع بين هذا وذاك بل نستطيع تدوير دفّة مفهوم الخطأ و الصح لدى أطفالنا).
نكات خادشة
واتفق معها سعيد عبدالحق - سائق (أصدقك قولاً أن النكتة أصبحت في الآونة الأخيرة لا تخلو من المحشش أو بعض الفقرات التي تتضمن الرذيلة، ولعل الأدهى أن بعضاً مما يُطرح على مسامعي من الأطفال الذين يصعدون للحافلة هي نكات تتعلق بالتلميذ ومعلمته وتكون للآسف نكات تتضمن خدشاً للحياء العام. فبعد أن كانت شخصية جحا هي التي تتصدر عناوين النكات بشكل عام، أصبحنا وللأسف نسمع غالبية النكت تتضمن (مرة واحد محشش.. إلى آخر النكتة)، وهكذا دواليك، لذا يجب التصدي من الأسرة أولاً وأخيراً بمنع إلقاء تلك النكات على أسماع الأطفال والمراهقين، وتوضيح مخاطر – الحشيش - المخدّرات ومدى تأثيرها المميت على صحة الإنسان، بالإضافة إلى الأهم وهو حرمتها بسبب ضررها).
بعضها مؤثر سلبي
إيمان عبدالله القوسي - طالبة جامعية تقول (بعض النكات مؤثر سلبي على عقلية المراهق وتغيير لمزاجه فهو قد يعجب بالمحششين، ويحاول أن يجرّب أو على الأقل يفكر في تجربتها أو يتمنى التجربة، والطامة الكبرى أن بعض النكت أو بمعنى أصح قليلة أدب تكون عن المخدرات والرذيلة ويستقبلها المراهق وترسخ في عقله بدون إدراك أو فهم من قبل ناقل أو مصدر النكتة، إنها خطر يجب التصدي له، والغريب هو إننا لم نر من يتصدى لتلك النكت أو لقلة الأدب بل يواجهونها بالضحك والإعجاب، لأنهم جاهلون صاحب النكتة ومن يشجعه ويحتاجون إلى إعادة تربية وتأهيل من جديد، وهكذا تُغزى عقول أبنائنا من الصغر وتتحول إلى طريق مظلم ونرغبها بالمخدرات والرذيلة ونحن لا نعلم ما أحدثناه من تأثير سلبي).
النكتة اجتماعياً
دراسة النكات من شأنها أن تكشف لنا عن أهم تطلّعات المجتمع ورغباته وانتقاداته أو بمعنى آخر يمكن للنكت السياسية والشعبية المنتشرة في المجتمع أن تكشف لنا عن نوعية التفاعل والعلاقات التي تربط المواطن اليمني بذاته وبالآخرين وجملة الانتقادات الكاريكاتورية الموجهة لهما ولدى الأستاذة لطيفة المحمدي -متخصصة في علم الاجتماع التربوي وموظفة في السلك التربوي.. تلعب تلك النكت العديد من الوظائف كالتسلية والتواصل و النقد و المحافظة على التوازن الاجتماعي و.... وتجسّد مختلف التراتبات والصراعات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تعيشها البلاد.
وحسب الباحثين و المفكرين من النكت السياسية والشعبية فهناك: إشكالية المفهوم من حيث تعدد تعاريف النكتة بتعدد المقاربات والزوايا التي يمكن من خلالها معالجة الظاهرة التنكيتية وأثرها على الحياة الاجتماعية و السياسية، ومن بين تلك التعاريف يمكن أن يُذكر: المفهوم الفلسفي، والذي من أبرز تعاريفه للنكتة حسب “شوبنهاور” عملية إبداعية قصدية تستهدف إضحاك الآخرين وتسليتهم، وهي حسب رأيه “محاولة لإثارة الضحك على نحو قصدي من خلال إحداث التفاوت بين تصورات الناس و الواقع المدرك عن طريق إبدال هذه التصورات على نحو مفاجئ في حين تظل عملية تكوين الواقع (الجاد) مستمرة.
أما من وجهة نظر علم النفس التحليلي فيعتبر “فرويد” Freud (مؤسس المدرسة التحليلية) النكتة كإحدى الوسائل الدفاعية اللا شعورية التي يعتمد عليها الإنسان لمواجهة الضغوطات الناجمة عن العالم الخارجي مثلها مثل سائر الوسائل الدفاعية الأخرى تحاول أن توجد نوعاً من التوازن النفسي و إخراج الدوافع والطاقات المكبوتة.
فيما النكتة من وجهة نظر سوسيولوجية: نتاج اجتماعي تفرزه عمليات التفاعل مع الذات و مع الآخر، وتعبّر عن جملة المواقف و البنى الفكرية لجماعة ما أو مجتمع معين، ويمكن لها أن تتخذ طابعاً هجومياً أو طابعاً دفاعياً (استراتيجية هجومية أو دفاعية)، كما أنها تؤثر وتتأثر بالمحيط الاجتماعي و الاقتصادي والسياسي الذي تولد فيه).
النكتة دينياً
وترى الأخت. حنان شاكر - متخصصة في العلوم الشرعية والإسلامية أن من يتأمل الكثير من هذه النكت سيجد فيها غيبة شخص معين، أو أشخاص أو قبائل معينة أو مجتمعات بأكملها وهذا والله شيءُ عجيب فالمغتاب يهدي حسناته لمن اغتابه، فكيف نصلّي ونصوم ونتصدّق ونعمل من الأعمال الصالحة الشيء الكثير ونتعب في ذلك كله ثم نهدي حسناتنا تلك على طبقٍ من ذهب لمن اغتبناهم، وقال الله تعالى «ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله غفور رحيم»- الحجرات 12.
وقال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله».. رواه الترمذي 1655، وقال الألباني: حديث حسن صحيح، وقال الله سبحانه وتعالى : (ويل لكل همزةٍ لمزة).
الاستهزاء المذموم
وتضيف حنان (إن كثيراً من هذه النكت يستهزئ ويسخر من بعض الأشخاص أو بعض فئات المجتمع أو بعض القبائل المعينة، وهذا ليس من أخلاق المسلمين الذين تربّوا على القرآن والسنة بل حتى الفطرة السوية ترفض مثل هذه الأشياء فيقول سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون» -الحجرات 11.
لذا فالسخرية لا تقع إلا من قلبٍ ممتلئ من مساوئ الأخلاق متحلٍ بكل خلقٍ ذميم متخلٍّ عن كل خلق كريم, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم»، رواه مسلم.
وأشد أنواع الاستهزاء وأعظمها خطراً: الاستهزاء بالدين وأهله، ولخطورته وعظم أمره فقد أجمع العلماء على أن الاستهزاء بالله وبدينه وبرسوله كفر بوّاح، يخرج من الملة بالكلية.
وثابت من سيرة رسول الله أنه أرحم الناس بالناس، وأقبل الناس عذراً للناس، ومع ذلك كلّه لم يقبل عذراً لمستهزئ، ولم يلتفت إلى حجة ساخر ضاحك.

الجمهورية نت:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.