حتى سنوات مضت لم يكن أغلبنا يعرف ما الليجا، ولم يكن بيننا من يتحدث عن الكلاسيكو، لأن التلفزيون لم يكن قد بلغ الفضاء ليغزو عقولنا وسمعنا ويسيطر على اهتمامنا بالبطولات والمسلسلات المدبلجة، في ذلك الوقت كنا نهتم بما لدينا من دوري محلي، وبقليل من المباريات العالمية التي تذاع معلبة، وبعض المباريات العربية المباشرة أهمها ديربي القاهرة بين الأهلي والزمالك، في ذلك الوقت كانت ما تزال لدينا رياضة تستحق الاهتمام والمتابعة، لكنها مع ذلك لم تكن تجد انشغالا رسميا وشعبيا يوازي ولو ربع ربع الربع مما يناله الكلاسيكو اليوم، ربما لأن هناك من كان يهمه عمله في خدمة بلده من موقعه حيث كان أكثر من اهتمامه بحالة الجدل العقيم الدائر اليوم قبل وبعد كل كلاسيكو أو قمة في البطولات الأوروبية التي وإن أمتعت بدخولها البيوت إلا أنها قد قتلت فينا روح الارتباط بفرقنا ومنتخباتنا، وسرقتنا من ملاعبنا التي أصبحت تشكو الخواء من المواهب قبل المشجعين، وأصبح الكثيرون منا يفضلون متكأ وقات للمتابعة في البيت على الذهاب إلى الملاعب، وتلك أم المصائب التي أهلكت كرة القدم اليمنية. ومع ذلك استطيع أن أجزم يقينا أن الجنود القتلى العشرين الذين سقطوا في إحدى النقاط الأمنية بمحافظة حضرموت صباح أمس الاثنين لم يكن يعنيهم حيث هم أمر الكلاسيكو، ولم يكن من بينهم منشغل بالفائز برشلونة أم ريال مدريد لأن شغلهم بأسرهم وحياتهم يكفيهم عن ذلك (!!)، وشاغلهم الوحيد هو المرتب الذي ذهبوا إليه حيث هم ليأتيهم في أتعس أيام الشهر زائرا خفيف القدر ما يلبث أن يطير إلى يد الديّانة وباقي الالتزامات الكثيرة، وهو الصغير الحقير غير قادر على الوفاء بكل ما يراد له أن يفعل مثله مثل الجندي المغلوب على أمره الذي يترك– حيث هو – وحيداً على طريقة: اذهب أنت وربك فقاتلا. لكنني في الوقت نفسه لا أستطيع التأكد من موضوع عدم انشغال مدير الأمن وقائد قوات الأمن الخاصة وقبلهما فخامة الرئيس ودولة رئيس الوزراء ومعهما الجالس الجديد على كرسي الداخلية بقمة الليجا عن مهمتهم الوطنية واهتماماتهم الأمنية التي تحتم عليهم السهر في رعاية جنودهم الذين يفترض أنهم يسهرون على حماية أمن الوطن والمواطن. والواضح أن حالنا في الحياة العامة يلخصه وضعنا في الرياضة، فنحن نُسير رياضة فقيرة إلى الموارد، ينهشها الفاسدون وتأكلها الأرضة ..أبطالها حفاة عراة، وقياداتها تتبجح أنها تقدم لهم الفتات مع أنها تهبر الملايين من الريالات والدولارات، وقد أصبح رياضيونا مثل شعبنا المسكين الذي يشقى على دولة فاسدة فاشلة. ليست السياسة من اهتمامي، ولن تكون (!!)، لكنه كثر الحزن الذي علم البكاء، فمثلما نخسر في الرياضة دون أن يحرك ذلك في الفاشلين أي عرق في الوجوه لتخجل وترحل، فإننا نصاب كل يوم بفاجعة كبيرة، من غير أن نسمع عن فاسد ترجل أو فاشل اعتذر وقرر الرحيل .. للأسف هذا وضعنا لم يعد فينا من يخجل من فشله، ولم نقل من فساده لأن الفساد أصبح سمة عامة إلا من رحم الله.