في عالم كرة القدم، قلما يظهر رجل يحدث ثورة في الأداء، ويكتب المجد من رحم الأزمة، ويصنع من الشباب أسوداً تهدر، ومن الأحلام واقعاً يدهش الأعداء قبل العشاق. إنه فليك، الحاوي المخاوي، الذي لا يكتفي بالسيطرة بل يدمن الانتصار، ولا يعرف التراجع حتى وهو في قلب العاصفة. فليك، الألماني الذي يحمل من الحكمة ما يربك أكثر العقول دهاء، ومن الحنكة ما يفتح أعقد الأقفال، ومن الشغف ما يحرك الجبال. ليس مدرباً فقط، بل قائدا روحيا، طبيبا جراحا، وملهما لا يعترف بالمستحيل. جعل من لاعبيه، شبانا لم يبلغوا الرشد بعد، وحوشا كاسرة كأنهم يتعاطون حبوب الشجاعة أو نالوا لسعة من أفعى الكرامة. يحركهم وكأن أرواحهم الشريرة اشتعلت غضبا، وكبرياؤهم انفجر ثورة. مر على ريال مدريد في أربع مناسبات، وانتزع منه ثلاث بطولات في موسم واحد، و جعل خصومه في حيرة، لا يعرفون هل ما يواجهونه فريق كرة قدم أم موج هادر لا يُقاوم. من يشاهد لاعبيه، يراهم كالمارينز في قسوتهم، وكأنغام العود في رقتهم، يضربون خصومهم بإبداع، ويطربون الجماهير بحب. نعم، سبق لهاينزي أن جرح البلوجرانا يوما، وأنهى مرحلة ميسي الخرافية، لكنه عاد الآن ليكون البلسم، الطبيب الذي أعاد بناء الجسد المنهك، بل رسم على الجراح زهرا يانعا. لم يصلح فقط ما انكسر، بل أخرج من اللاعبين أفضل ما فيهم، وأحيانا ما لم يكن فيهم أصلاً. فليك هذا الموسم لم يكتب قصة فريق فقط، بل سطر أسطورة. حتى مع الخروج من دوري الأبطال، ما زال الجميع يهمس: "هذا الفريق وصل إلى مرحلة من النضج والدهاء والقتال تجعله مهابا، محترما، ومُعجبا به من الجميع". فريق يلعب مكشوف الدفاع، متحديا، ولا يخرج إلا منتصرا. شكرا فليك... شكرا لحاويتك المليئة بالسحر، ولفكرك الذي حرر برشلونة من عقده. شكرا لأنك لا تعرف الرحمة في الخصومة، ولا تتراجع حين يحين وقت العطاء. شكرا لأنك جعلت من الحلم واقعا، ومن الواقع أسطورة. وما زال جرابك يعد بالمزيد، والمزيد...