قال تعالى:الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) قال الطبري :لقد ابتدأت السورة الكريمة بالتنبؤ بحدث غيبي قبل وقوعه بعدة سنوات، ألا وهو انتصار الروم على الفرس بعد هزيمتهم أمامهم قبل نزول هذه السورة المباركة بعدة سنوات. وتدعو المجتمعات الى وجوب التضامن مع الجيوش واعلان الفرح بإنتصاراتها على العدو، بإعتبار ذلك من مكارم الأخلاق الاجتماعية،والواجبات الشرعية، التي تدعو إليها السورة الكريمة: وضرورة الاستقامة على الدين القيم من قبل أن تأتي الآخرة فيصدع بها كل الخلائق ثم يجزى كلٌ بعمله... قال البغوي في تفسيره وسبب نزول هذه الآية على - ما ذكره المفسرون : - أنه كان بين فارس والروم قتال ، وكان المشركون يودون أن تغلب فارس الروم ، لأن أهل فارس كانوا مجوسا أميين ، والمسلمون يودون غلبة الروم على فارس ، لكونهم أهل كتاب ، فبعث كسرى جيشا إلى الروم واستعمل عليها رجلا يقال له شهريراز ، وبعث قيصر جيشا إلى فارس واستعمل عليهم رجلا يدعى يحفس ، فالتقيا بأذرعات ببصرى ، وهي أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم ، فغلبت فارس الروم ، فبلغ ذلك المسلمين بمكة ، فشق عليهم ، وفرح به كفار مكة ، وقالوا للمسلمين : إنكم أهل كتاب ، والنصارى أهل كتاب ، ونحن أميون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الروم ، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم ، فأنزل الله تعالى هذه الآيات ،قال ا ابن الخطيب،وهذه دلالة، من أن التضامن مع الجيوش ضرورة اجتماعية معروفة عبر تاريخ المجتمعات والجيوش..ويقول المؤرخ جبن في المجلد الخامس من كتابه ومحمد الذي جلس في الشرق على حاشية الإمبراطوريتين العظيمتين، طار فرحاً، مما سمع عن تصارع الإمبراطوريتين وقتالهما، وجرؤ في إبّان الفتوحات الفارسية وبلوغها القمة أن يتنبأ بأن الغلبة تكون لراية الروم بعد بضع سنين، وفي ذلك الوقت، حين ساق الرجل هذه النبوءة، لم تكون أية نبوءة أبعد منها وقوعاً، لأن الأعوام الإثني عشر الأولى من حكومة هرقل كانت تشي بنهاية الإمبراطورية الرومانية ) 13 (بيد أن جميع مؤرخي الإسلام يجمعون أن السورة جاءت بتشريع الهي يقضي بوجوب التضامن مع الجيوش والفرح بإنتصاراتها بمختلف معتقداتها الدينية والعسكرية، كما في قوله تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ)الروم12 )قال صاحب التحرير الموضوعي ، وقوله تعالى: ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ) عطف على جملة وهم من بعد غلبهم إلخ ....أي ويوم إذ يغلبون يفرح المؤمنون بنصر الله .....أي بنصر الله إياهم على الذين كانوا غلبوهم من قبل ، وكان غلبهم السابق أيضا بنصر الله إياهم على الروم لحكمة اقتضت هذا التعاقب وهي تهيئة أسباب انتصار المسلمين على الفريقين إذا حاربوهم ،بعد ذلك لنشر دين الله في بلاديهم ، وقد أومأ إلى هذا في قوله تعالى : لله الأمر من قبل ومن بعد .والجملة المضافة إلى " إذ " في قوله : ويومئذ محذوفة عوض عنها التنوين . والتقدير : ويوم إذ يغلبون يفرح المؤمنون ، ف " يوم " منصوب على الظرفية ، وعامله " يفرح المؤمنون " والمعنى الاجمالي للآية هو وجوب التضامن مع الجيوش واعلان الفرح بإنتصارتها ...