(1) إن القرآن أعطى للتاريخ مساحة واسعة فكم من مرة ذكر قصص التاريخ ووقائع القرون الماضية وسنن الهلاك وعاقبة الذين لا يعتبرون بالتاريخ ولا يصدقون أن في التاريخ وأحداث القرون عبرة وعظة فما موقع التاريخ في القصة القرآنية ؟ يقول الدكتور /عماد الدين خليل:هنالك ثلاثة مستويات في تعامل القرآن مع التاريخ، المستوى الأول السرد التاريخي للوقائع وهذا يغطي مساحات كبيرة من القرآن قد تتجاوز النصف والمستوى الثاني يذهب إلى ما وراء الحدث لكي يعطينا تصوراً عن السنن التي تحرك التاريخ، ما يسميه فلاسفة التاريخ بقوانين الحركة التاريخية، وثمة طبقة ثالثة تحدثنا عن الجانب الحضاري، عن القوة المؤثرة التي تصنع الحضارات والأمم والدول والإمبراطوريات أو تقودها إلى الانكماش والسقوط. والوقائع التاريخية في القرآن الكريم يتم التعامل معها بشكل مرشد ومجتزىء فلا يتناول القصة القرآنية بشكل تفصيلي وذلك لأن القرآن ليس كتاب تاريخ في نهاية الأمر، فعلى ما في القرآن من مساحات واسعة أعطيت للتاريخ فهو ليس كتاب تاريخ، بمعنى أنه لا يحاول أن يغطي الأحداث بكل تفاصيلها وإنما يجتزىء من هذه الأحداث الخطوط العريضة التي يمكن أن تستخلص منها العبرة أو المغزى {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ..} أي لذوي العقول القديرة على استخلاص المغزى من قراءتها للتاريخ {..مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[يوسف:111] فكأن قراءة التاريخ تعطينا المغزى وتعطينا التعاليم التي ترحم الأمم والشعوب من أن تقع في مخاطر جديدة وتنزلق باتجاه ما انزلقت إليه الأمم الأخرى، والقرآن الكريم بمنحه هذه المساحات الكبيرة للتاريخ لكنه يمضي إلى ما وراء الزمن وما وراء المكان وما وراء الشخوص انه يمضي إلى الواقعة التاريخية في خلاصاتها الأساسية من أجل أن نستخلص منها العبرة والمغزى التي تضيء لنا الطريق في اللحظات الراهنة إلى المستقبل الموعود. ويستشهد القرآن ببعض الوقائع التاريخية ويجعل بعضاً من تلك الأحداث التاريخية دليلاً على صدق القرآن أو النص القرآني على سبيل المثال فرعون الذي أغرق في ملاحقته لموسى (عليه السلام) في البحر وهو الذي أشار القرآن الكريم إلى أنه سيجعله آية لمن خلفه {..لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً..}[يونس:92] تبين من خلال الدراسات التاريخية أن رمسيس هذا هو نفسه الذي أغرق في زمن موسى (عليه السلام) ولا يزال جسده المحنط موجوداً في متحف مصر للآثار القديمة، ومثال آخر عندما يقول القرآن {غُلِبَتِ الرُّومُ}[الروم:2] في العصر المكي والمسلمون كانوا مضطهدين تلاحقهم الوثنية من كل مكان {غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ..}[الروم:2 - 5] هذا وعد تاريخي في أن حدث ما سيقع بعد بضع سنين يعني كما يقول الدارسون سبع إلى تسع سنوات وكان المسلمون قد حزنوا لهزيمة البيزنطيين النصارى باعتبارهم أهل الكتاب على يد الوثنيين الفرس فوعدهم القرآن بأن النصر آت قريباً لا ريب فيه، وفعلاً بعد سبع سنوات استطاعت الدولة البيزنطية زمن هرقل أن تضرب الفرس ضربة في الجزيرة الفراتية قريبة من الموصل ضربة قاصمة كادت أن تكسر عمودهم الفقري فجاء القرآن الكريم بوعده الصادق مطابقاً للمعطى التاريخي، و كذلك في سورة يوسف لا يرد اسم فرعون على الإطلاق لأن يوسف ظهر في الفترة الهكسوسية التي حكم فيها الهكسوس مصر وأخرجوا الفراعنة ودفعوهم إلى بلاد النوبة وسيطروا على مقدرات مصر وشكلوا مملكة فالذي كان يحكم مصر آنذاك كان يسمى ملكاً وليس فرعوناً فسنجد اسم الملك يتردد في سورة يوسف ولا تجد أي أثر لاسم فرعون...وللحديث بقية