ومنذ أن قامت السلطات السعودية ، بتشكيل جهاز اللجنة الخاصة المخابراتي الوهابي السعودي في اليمن ، من مشائخ ووجهاء واعيان القبائل اليمنية ،كما اوضحنا في المقال السابق ، اصبح الجيش البراني ،بطريقة مباشرة أوغير مباشرة ، الاداة المؤثرة التي تستخدمها المخابرات المعادية،في الجانب المخابراتي والاستخباراتي وجمع المعلومات والاستدلال. ومن أهم وأخطر الوسائل التي تساعد عناصر الطابور الخامس ، لاختراق المجتمع ، وتمزيق النسيج الاجتماعي اليمني ، وخنجرا مسموما يسدد به العدو الداخلي ، طعنات قاتلة في الظهر والقلب والخاصرة ، للجيش النظامي اليمني ، أحدثت تصدعات وتشققات عميقة في التركيبة البنيوية للمجتمع اليمني ، وتركت آثارا مؤلمة على المعتقد الديني والوطني ، والتي لايزال الانسان اليمني يعاني حتى اللحظة ، من تأثيراتها السلبية على الولاء الوطني ، وحب الجيش ،وبكل مايتعلق من نصوص وواجبات شرعية ، تفرض على المجتمع التعاون مع الجيش في السلم والحرب ، بل وماتزال تأثيراتها جارية – حتى كتابة هذه السطورة - على جميع جوانب الحياة العسكرية في اليمن لعل من أهمها الجوانب التالية : أولا الجانب الاجتماعي : إن اعفاء جميع مجندي الجيش البراني من التدريب العسكري والفحص والتدقيق والاجرءات الامنية الدقيقة، في ذلك الظرف الزمني الحرج ، مسألة مرفوضة من الجانب الامني والاجتماعي ،لأن ذلك التساهل ، جعل كل من هب ودب من اعداء الجيوش ، ومن عناصر الطابور الخامس ، يفكر بالخدمة في هذا الجيش العشائري ، لكي يسهل له اختراق المجتمع والجيش معا بسهولة ويسر. كما أن حرمان مجندي الجيش البراني من المرتبات الشهرية من الدولة واتكال الفرد على تحصيل مرتبه من الخطاط والتنافيذ ، والرسامة ، التي يدقعها المحابيس واصحاب القضايا ، في تلك المرحلة التي كانت السلطات المتوكلية حينها تعاني من الفقر المدقع والافلاس الاقتصادي ،والعوز المادي في اوساط المجتمع يضرب اطنابه ،جعلت كل واحد من جنود الجيش البراني ، يتخذ أسلوبه الخاص في تحصيل قوته اليومي ، ويسعى بكل وسيلة لتحصيل المال ، ومن اي باب كان ؛ حلال أو حرام ليعول من خلفه ,بل وربما اجمعوا على انتهاج اساليب تعسفية قهرية قمعية ،دمرت كل المبادئ والقيم والاخلاق الكريمة التي يتحلى بها الانسان اليمني ، ورسمة في اذهان وعقول أبناء المجتمع ، صورة كريهة للجندي اليمني ، والحالة التي يعيشها ، مازالت عاقلة في أذهانهم وراسخة الى اليوم , نكاية بالنظام الملكي اليمني ، وتشويها للحياة العسكرية في اليمن ، من اجل تحصيل المال ،الذي يوفر لهم الراحة الانية، لتدمير مستقبل حياة أبناء الجيوش النظامية اليمنية من بعدهم ،بل لقد اصبح التجنيد النظامي في تلك الفترة ، مسألة تؤرق أبناء الجيش البراني وتقلق راحتهم وتشغل بالهم ، وتضج مضاجعهم ،لأنهم وبحسب ماتتوارد اليهم المعلومات بمختلف الروايات ، أن الامام سوف يقوم بتجنيد جيش نظامي ليحل بدلا عنكم ، وبذلك فهم ينظرون الى هذا التجنيد من زاوية قطع ارزاقهم ، وبالتالي يتحركون من منطلق ذلك المثال القائل: قطع الاعناق ولا قطع الارزاق ،فينتشرون في الاسواق والمنتديات والجتمعات ، لينشروا في العامة ، دعايات واشاعات مخيفة وكاذبة واخبار ما انزل الله بها من سلطان ، تحيف العوام ، وتحذرهم من أن الامام يريد تجنيد أبناءكم ليزج بهم في الحرب مع المملكة العربية السعودية، وفي الحرب مع الاستعمار البريطاني ، لتهلكهم الطائرات البريطانية كما فعلت بأبناء تعز والضالع في عام 1928م عندما قامت بريطانيا بقصف الجيش اليمني وقصف الاحياء السكنية والابرياء بلارحمة . كان الامام يحي ، عندما يريد التجنيد يعمم على جميع عماله في النواحي والقضوات ،وبمجرد ما يصل تعميم الامام ، الى عامل القضاء – مدير الناحية - ، يقوم هو بدوره بتكليف عسكري من الجيش البراني لإيصال تعميم الامام الى القرى يبلغهم برغبة الامام بإرسال ابناءهم الى معسكرات التجنيد ،لكن هذا العسكري ، عندما يصل الى القرية، يقلب نفسه ناصح امين ، ويأخذ من أبناء القرية العهود والمواثيق على كتمان ماسوف يقول لهم عن اسرار هذا التجنيد ،وفي وسط التخزينة ، يفتح عسكري البراني ، معشر هذا التجنيد الخطير ، وينشر للحاضرين كلاما مهولا ومخيفا ، وينصحهم بإرسال احد أعيان القرية ووجهاءها الى عامل مولانا الامام للتفاهم معه حول المبلغ الذي يقرره على القرية ليعفيهم من هذا التجنيد الذي قد يحرمهم من فلذات اكبادهم ، وبعد التفاهم مع العامل مدير الناحية ، على تحديد المبلغ ، يذهب كل واحدمن ابناء القرية يبيع اعز واغلا مايملك ليفتدي ولده ، وأحيانا يتدخل العسكري بين أبناء القرية والعامل ويعرض نفسه ، بأن يتجند هو فداء لأصحاب القرية ،ويستلم المال ،وما أن يلتحق هذا الجندي بالجيش النظامي حتى يتحول الى جلاد لا يرحم على أبناء القرية كل شهر يحتاجون الى فرق مبلغ من المال للجندي المتبرع , حتى اصبح أبناء المجتمع اليمني ،يكرهون الخدمة العسكرية ،ويكرهون كل جندي فيها ، وينظرون الى الجندي نظرة ازدراء واحتقار وكراهية وبغض ، بل يكرهون حتى ذكر اسمه ، لأن ذكره يعكر مزاجهم ويبعثر صفو راحتهم ، وأمام هذه التصرفات القبيحة والسلوكيات المنبوذة ، والاخلاق المنحطة ، المخلة بالآداب الاجتماعية والدينية التي يتحلى بها أبناء المجتمع ،والتي كان يمارسها عليهم ومعهم أبناء الجيش البراني ، ارتسمة تلك الصورة الكريهة للجندي اليمني ، في اذهان وعقول ابناء المجتمع الى اليوم. ثانيا : الجانب الوطني : ان شرط شراء السلاح والذخيرة ، على الجندي البراني ، ساعد مشائخ ووجهاء القبائل والقرى ،الذين تندرج اسمؤهم ضمن التيار المخابراتي الوهابي السعودي، اللجنة الخاصة ) ساعدهم على كسب ولاء جنود وافراد الجيش البراني بسهولة ،كما ساعدهم على تشجيع الكثير من ابناء قبائلهم والمواليين لهم على الخدمة في الجيش البراني ، من خلال بيع الاسلحة عليهم بالتقسيط المريح ، ليكسبوا بذلك المكانة الخاصة لدى الامام ، والحظوة والوجاهة لدى الاروقة السياسية في النظام ، من جهة ومن جهة ثانية يكسبوا ولاء المجنديين ،وهذا الذي لم تتنبه له السلطات السياسية في تلك الفترة، بل والاخطر من ذلك ، أن الدولة اعفت نفسها من اي رقابة امنية أو اشرافية ، فقد كان عريف الجماعة في الناحية أو القضاء هو الذي تيولى تعزيز الحماية الخاصة بالناحية أو القضاء في حالة مايترك بعض الجنود عملهم ، فإن العريف يقوم بإبلاغ العامل بالنقص لكي يحرر له مذكرة الى الشيخ الذي يختاره العريف ويعرف أنه سوف يدعمه بالافراد المطلوبين ، وهذه النقطة خدمة كثيرا التيار المخابراتي الوهابي السعودي الذي يضم المشائخ والوجهاء في اليمن ، فقد كان عناصر الطابور الخامس من هؤلاء المشائخ والوجهاء يستغلون هذه النقطة بطريقة ايجابية، فيقوم الشيخ باستقبال الجندي البراني ، وتجهيز له عزومة محترمة ، وفي اليوم الثاني ، يجمع له العدد المطلوب من الافراد ، مع سلاحهم وذخيرتهم ،ويعطيهم مصروف الطريق ، ويودعهم بأسلوب يرفع من معنوياتهم ، مما يدفع العريف البراني ، الى القيام بتعزيز مكانة هذا الشيخ لدى العامل في القضاء أو في اللواء ،بمايسهل استقطابه من حيث لا يدري بمايجري ، وجميع هذه التصرفات ضربت الولاء الوطني ، لدى أفراد الجيش البراني ، وجعلتهم يدينون بولاءهم وطاعتهم لقبيلتهم التي تجهزهم بالسلاح والذخيرة والتعزيزات في الوقت المناسب ،وبالتالي نلاحظ أن اضرار الجي البراني ، على الجيش النظامي اليمني ، كانت فادحة ، حينما قام افراد الجيش البراني في حركة 1948م بإرشاد القبائل الطامحة، الى متاجر ومخازن االاسلحة لنهب اسلحة ومعدات الجيش وممتلكات المواطنين في صنعاء ،كما أن معظم عرائف ومجاميع الجيش البراني شاركة في حركة حاشد وبكيل ،في أواخر الخمسينات وتحديدا في عام 1959م . مما جعل الامام /احمد يقوم بالغاء الكثير من مجاميع وعرائف الجيش البراني التي شاركت في تلك الحركة المعادية للنظام ، واتخذ سياسة معادية للجيش ، عمل العدو الداخلي للجيش اليمني على تأصيلها في السياسات العليا للحكومات اليمنية المتعاقبة الى اليوم . يتبع .......