ليس لدي أدنى شك من أن الفراغ السياسي الناشئ عن الحقد السياسي والتخلف الفكري، وكذا طبيعة التحولات والأحداث في الخارج والمحيط. يعتبران من أهم العوامل التي مهدت الطريق أمام جماعة الحوثي، ومكنتها من التمدد والاستفراد من الحكم، فضلاً عن إمكانية سيطرتها على مأربوتعز، وكذا تمددها إلى بعض من المحافظات في الجنوب .... من وجهة نظري، ليست الإشكالية الحقيقية في قدرة الحركة على إسقاط مأربوتعز والتمدد إلى الجنوب، بل الإشكالية تكمن فيما بعد السقوط، وهو ما لا تدركه الحركة ولا يدركه كثير من الناس. إذ أن الحركة تزعم أن لديها شرعية ثورية، وهذا وهم كبير بعث روح الهيمنة لدى الحركة، ويقودها إلى المواجهة والعزلة. فالشرعية الثورية لا تتحقق إلا حين تكون لدى هذه الثورة حاضن اجتماعي في كل المحافظاتاليمنية، وهو ما لا يتوافر للحركة مطلقا باستثناء ثلاث أو أربع محافظات خضعت للسيطرة بقوة السلاح. إن الشرعية الوحيدة للحركة هي امتلاكها ترسانة كبيرة من العتاد والأسلحة، مكنتها من فرض وجودها في العاصمة صنعاء وبعض المحافظات الشمالية، وهذا لا يمكن أن يدوم مطلقا. فإذا كانت الحركة اليوم تعاني من رفض شعبي يتجلى يوميا في مظاهرات داخل صنعاء التي تحكم السيطرة عليها. فكيف سيكون وضعها في تعز والبيضاء ومأرب وعدن وحضرموت. الإشكالية هي أنه يراد للحركة أن تسيطر على المحافظات ذات الكثافة السكانية السنية، لتكون ردة الفعل بعد السيطرة تشبه ردة فعل المحافظات السنية في شمال العراق، إذ يستطيع أحدكم أن يقف قليلا وأن يتأمل ماذا يحدث في شمال العراق؟ وكيف تحولت هذه المحافظات السنية كلها إلى وحوش بشرية تفتك بكل شيء؟ ولماذا لم تتمكن أمريكا وكل قوى العالم على القضاء عليها؟ . بل يقف دور هذه القوى على الدفاع وصد هجمات قوية للقاعدة أو ما يسمى بجيش الدولة الإسلامية؟... هل تدرون لماذا؟ لأن تلك المحافظات السنية مرت بظروف حتما ستمر بها المحافظات السنية في اليمن، حيث ظلت المليشيات الشيعية العراقية لسنوات طويلة تهيمن على السنة، وتقتل وتعتقل وتحرمهم من المعاشات وتقصيهم من الوظائف. حتى أصبحت كل أسرة في شمال العراق تفقد واحدا من أبنائها وتحس مرارة الذل والقهر، فرفعوا أصواتهم وبحت دون فائدة، وخرجوا في مسيرات تنديدية فقمعت هذه المسيرات. وحينئذ تصلبت لديهم الإرادات ووصلوا إلى قناعة وحيدة تكمن في الحياة بعزة وكرامة أو الموت بشرف، فتحولوا إلى عبوات ناسفة وسيارات مفخخة وقطعوا الرؤوس وشربوا الدماء دون أن يشعروا بذنب أو تأنيب ضمير ... هذا هو الواقع في العراق وهذه هي الحقيقة، وهو ما يتم تأسيسه اليوم في صنعاء وبقية المحافظاتاليمنية، إذ أننا نلاحظ أن إقدام جماعة الحوثي على الإعلان الدستوري، واغتصاب الحكم بالقوة، وتعطيل مؤسسات الدولة الشرعية، وتحييد القوات المسلحة نهائياً عن المشهد السياسي والأمني, وممارسة العنف ضد المظاهرات السلمية، وإقصاء بقية المكونات السياسية والاجتماعية، واعتقال الناشطين السياسيين والحقوقيين والصحفيين. وكذا إصرارهم على وصف المعارضين لهم من الأحزاب أو القبائل بالتكفيريين والداعش والعملاء لأمريكا وإسرائيل. كل هذه أفعال وممارسات ستتراكم يوماً بعد يوم، لتشكل قوة مناهضة تتوافر لديها رغبة الانتقام والقصاص من الحركة.