لليوم الثالث على التوالي، تفشل اللجنة الرباعية في توقيع اتفاق ينهي الأزمة الناشبة بفعل الاحتجاجات التي يقودها الحوثيون ضد الحكومة. وحتى ال11 من ليل أمس السبت، كانت اللجنة لا تزال مجتمعة في فندق موفنبيك، بحضور جمال بن عمر، المبعوث الأممي، دون أن تصل إلى نتيجة، طبقا لمصدر قريب من اللجنة تحدث ل"الأولى"، دون أن يحسم ما إذا كانوا سيصلون إلى توقيع في الساعات التالية أم لا. واستأنفت اللجنة المفاوضات مع حلول الساعة ال6 مساء، بعد انسداد نشأ منذ الصباح بفعل مستجدات تمثلت في دخول بن عمر على خط المفاوضات، بمقترح تشكيل لجنة رئاسية جديدة. وبحسب مصادر "الأولى" وثيقة الاطلاع، فإن بن عمر استدعى ممثلي الحوثيين في اللجنة، حسين العزي، ومهدي المشاط، وقيادات حوثية أخرى، إلى اجتماع، في الصباح، بعد أن تعثر توقيع الاتفاق في الليل السابق، بسبب نقطتين اثنتين؛ إحداهما تتعلق برفع مخيمات الاعتصام، والثانية بمعايير اختيار رئس الحكومة ووزرائه. وفي الاجتماع مع بن عمر، أبلغ الأخير الحوثيين بأن لديه توجيهات من رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة تفاوض جديدة معهم، بعضوية أحمد عوض بن مبارك، مدير مكتب رئاسة الجمهورية، واللواء جلال الرويشان، رئيس جهاز الأمن السياسي. طبقا للمصادر، فقد فوجئ الحوثيون بذلك، وأبدوا اعتراضهم إلا إذا كانت اللجنة الجديدة ستبني على ما وصلت إليه المفاوضات في اللجنة السابقة التي يمثل الرئيس فيها عبدالكريم الإرياني، وعبدالقادر هلال. وشعر الحوثيون بأن الأمر يعني تراجعا عن الاتفاقات التي تم إنجازها مع الإرياني وهلال. وأدى ذلك فوراً إلى تأزم في الأجواء، متزامناً مع توتر على الأرض، تمثل في اندلاع معركة تبادل إطلاق نار في منطقة التلفزيون، بين مسلحين حوثيين من جهة، وجنود ومسلحين تابعين لأولاد الأحمر من الجهة المقابلة. وتضيف المصادر أن التوتر أدى إلى دخول الدكتور عبدالكريم الإرياني، بكل ثقله، وبشكل حاسم، ضد ما يبدو أنه "عبث" من قبل بن عمر وبن مبارك، حيث اتصل الإرياني بالمبعوث الأممي، وأبلغه بأنه وهلال مستمران في مهمتهما، ولن يتوقفا. وقال الإرياني، طبقا لما نقلته عنه مصادر تحدث إليها عن طبيعة اتصاله ببن عمر، قال مخاطبا المبعوث: "نحن ممثلو رئيس الجمهورية، وهذا بلدي وأنا أدرى به منك، وأي تراجع الآن في المفاوضات سيفجر حربا، وسنحملك مسؤولية ذلك". ثم حدث تواصل مباشر بين الحوثيين والرئيس، وأخبرهم الرئيس أنه وجه الإرياني وهلال باستئناف المفاوضات، وبالفعل تم استئنافها مع حلول المساء. وفي المسار ذاته، قال ل"الأولى" مصدر مطلع إن المفاوضين اللذين يمثلان الجانب الرئاسي، وهما عبدالقادر هلال، والدكتور عبدالكريم الإرياني، أوصلا إلى رئيس الجمهورية، مساء أمس الأول، الصيغة الأولى لما تم الاتفاق عليه، وأن رئيس الجمهورية وضع تعديلات على هذه الصيغة. وأضاف المصدر أن جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، تلقوا بعد ذلك نسخة من الاتفاق الذي عدله رئيس الجمهورية، عن طريق ممثليهم في فريق التفاوض، والمكون من حسين العزي، ومهدي المشاط، وأنهم أضافوا عليه تعديلات من جانبهم، وتم إرساله، بعد مغرب أمس، إلى اللجنة المنعقدة في فندق موفنبيك، للتفاوض بشأنه، وبإشراف من المبعوث الأممي جمال بن عمر. وأبدى المصدر تفاؤله بالوصول إلى اتفاق، وقال إن الجانبين قطعوا خطوات لا بأس بها لإنجاز الاتفاق النهائي. وأشار إلى أن الحوثيين اشترطوا أنهم لن يوقعوا على الاتفاق إلا في حال تم اتخاذ خطوات بشأن مجزرة الثلاثاء الماضي، التي وقعت أمام مجلس الوزراء، وتتضمن هذه الخطوات تشكيل لجنة تحقيق، وإحالة المتورطين للعدالة. وتحدث المصدر عن أن الاتفاق عبارة عن خارطة طريق بخطوات مزمنة، وأن الحوثيين اشترطوا أيضاً توقيع الاتفاق من قبل الأطراف والأحزاب السياسية في البلد، إلى جانب الدولة، بحيث تكون هناك حالة من الإجماع حول تنفيذه. وتأتي هذه المفاوضات في الوقت الذي يشهد فيه الواقع على الأرض، تصعيداً خطيراً، تضمن مواجهات مسلحة في شارع التلفزيون بالعاصمة صنعاء، بين مسلحي الحوثيين والسلطات الأمنية بالعاصمة. وتتزايد حدة التوتر بين الحوثيين والقوات الحكومية، وعلى أكثر من صعيد، بعد مراوحة المفاوضات مكانها، وعدم الخروج إلى اتفاق واضح ينهي الأزمة العاصفة بالبلاد. وتناقل ناشطون يتبعون جماعة "أنصار الله"، في مواقع التواصل الاجتماعي، أمس، صوراً لضباط وصف وجنود قالوا إنهم في المواقع المرابطة بجبل النبي شعيب، وأن هؤلاء الجنود أعلنوا انشقاقهم وإعلان تأييدها لما سماه الناشطون "الثورة"، في مؤشر إلى انتقال الأزمة إلى مستوى أخطر. وعلى الصعيد ذاته، يواصل الحوثيون اعتصاماتهم الاحتجاجية على مداخل العاصمة صنعاء ومخيمات الاعتصام في شارع المطار، واستقبلت الساحات وفوداً قادمة من مديريات أمانة العاصمة، محملة بقوافل غذائية وتموينية للمعتصمين. وقالت ل"الأولى" مصادر في ما يسمى اللجنة المنظمة المشرفة على هذه الاعتصامات، إنه وصل إلى ساحة الاعتصام بخط المطار قافلة من المساعدات التموينية والغذائية، ضمن وفد كبير من أبناء مديرية التحرير، مشيرة إلى أن المشاركين في القافلة طالبوا السلطة بسرعة الكشف عن المتورطين في جرائم الاعتداء على المتظاهرين السلميين، وجددوا تمسكهم بمطالبهم ال3:ة إلغاء الجرعة، وإسقاط الحكومة، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني. وأضافت المصادر أن مخيمات الاعتصام في مداخل العاصمة استقبلت المئات من المواكب القادمة من بعض المحافظات، وأن مخيم حزيز استقبل وفداً شعبياً قادماً من مديرية المنار آنس بمحافظة ذمار، كما اجتمعت قبائل من مديرية بني مطر، ومشائخ ووجهاء من الجوفوعمران والمحويت وحجة، في مخيم الصباحة. وفي الجهة الأخرى، استقبل رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، أمس، عدداً من المشائخ والأعيان والشخصيات الاجتماعية من منطقة حزيز وأحياء بيت حاضر وغيرها من الأحياء المجاورة، والتي يتمركز فيها مسلحون لجماعة الحوثي. وقالت وكالة "سبأ" إن رئيس الجمهورية رحب بهم، وقال: "أهلاً وسهلاً بالجميع، وكلكم تعرفون أن اليمن يعيش في أوضاع صعبة ومعقدة، وهذا يستلزم علينا جميعا توخي الحذر والحيطة من أجل ألا تتعرض صنعاء للمزيد من المشاكل والاحتكاكات مع مليشيات الحوثيين المسلحة". وأضاف هادي: "لا مانع لدينا وبموجب الدستور والقوانين أن تكون هناك تجمعات سلمية، ولكن محاولة اقتحام المرافق الحكومية أو المدارس وأقسام الشرطة أو البيوت، فهذا شيء محرم، ولا يجوز السكوت عليه مطلقا". وأشار الرئيس إلى "أن السلاح منتشر لدى كل الناس، وسيدافع كل عن منزله وحقه وحرماته، وستعمل الدولة كل ما يمكن من أجل تجنب سفك الدماء، وعلى الجميع تحمل المسؤولية الوطنية كاملة، ويكفي صنعاء ما مرت به في الماضي القريب والبعيد". وقال: "إن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة قد مثلت أفضل مخرج مشرف للجميع، وانخرط الجميع أيضا في حوارات مطولة شملت كل ملفات الماضي، وبمختلف المعالجات من أجل الحاضر". وأضاف الرئيس هادي: "لقد حذرنا مرارا من أي تدخل في شؤون اليمن الداخلية، ولكن ما يحدث ربما هي رسائل من أجل فرض الهيمنة الإقليمية، وتعريض اليمن للمخاطر الكبيرة". واستعرض هادي جملة من القضايا المتصلة بحلحلة الأزمة في اليمن، وقال: "نحن حريصون على ألا تسفك قطرة دم يمنية، سواء كان من هذا الطرف أو ذاك، وبذلنا كل الجهود لتجنيب اليمن ويلات المحن المتلاحقة". ودعا "الجميع إلى التعاون الكامل من قبل أبناء المنطقة مع قائد قوات الاحتياط اللواء الركن علي بن علي الجائفي، والعمل من أجل التهدئة وتجنب الصدام إلا للدفاع عن النفس والمال والعرض". وقال: "إن على جميع الأطراف تحكيم العقل والمنطق، وعدم الانجرار للعنف والتطرف". مستعرضا الحيثيات التي تثبت تدخل إيران في شؤون اليمن. ونقلت وكالة "سبأ" مخاوف المشائخ المجتمعين "من أي اندفاع من قبل مسلحي الحوثيين، خصوصا وقد حدث أكثر من اعتداء وأكثر من مرة لاقتحامات منازل الناس"، مشيرين إلى أنهم على استعداد كامل للعمل في كل ما يهم الأمن والاستقرار وتجنيب صنعاء وأحيائهم ومناطقهم من أي صدام، حسب قول "سبأ". إلى ذلك، جددت الدول ال10 الراعية للمبادرة الخليجية، التعبير عن قلقها مما سمته التهديدات المتزايدة على أمن اليمن. وقالت هذه الدول، في بيان لها، وزعته على وسائل الإعلام، أمس: "تلاحظ مجموعة السفراء ال10 بقلق بالغ التهديدات المتزايدة على أمن اليمن، المُتمثلة بالأعمال التي تقوم بها جماعات وأفراد يعترضون على التنفيذ الكامل والمُزمّنِ للمرحلة الانتقالية المستندة على مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي، وآليتها التنفيذية، ومُخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وكما ورد في قرارات مجلس الأمن الدولي". وأعادت المجموعة الدولية "التأكيد على التزامها الدائم بالعملية الانتقالية السلمية المذكورة بمبادرة دول مجلس التعاون الخليجي"، مطالبة جميع الأطراف بالالتزام بالمبادئ الأساسية للمبادرة، والهادفة إلى تحقيق أمن اليمن، ووحدته، واستقراره. وعبّرت مجموعة ال10 "عن قلقها البالغ، وعلى وجه الخصوص، من الأنشطة العلنية لأنصار الله، والتي أدت إلى حالة عدم الاستقرار". وحثت أنصار الله "على التفاوض مع الحكومة اليمنية بحسن نية لحل المظالم والخلافات السياسية، وأن تنفذ جميع الاتفاقيات التي توصلت إليها مع الحكومة". وأدانت الدول ال10 ما سمته "تلك العناصر التي تسعى إلى استغلال حالة عدم الاستقرار الحالية لتحقيق أجندات سياسية ضيقة، بينما تستدعي الظروف من كل اليمنيين أن يعملوا معاً لتحقيق المصلحة الوطنية". كما أدانت "البيانات العلنية لأنصار الله، والتي تعني جوهريا تهديدات لإسقاط الحكومة اليمنية"، معتبرة الجماعة مسؤولة عن تدهور الوضع الأمني بصنعاء، وعن عدم الانسحاب الكامل من عمران، وكذلك عن اشتراكها في مواجهات مسلحة في الجوف، كما ذُكر في بيانات مجلس الأمن الدولي بتاريخ 11/7/2014، وتاريخ 29/8/2014". وقالت إنه "لا يختلف اثنان على أن الضحايا الأساسيين لحالات الاختلال الأمنية وعدم الاستقرار، هو الشعب اليمني، والاقتصاد اليمني". ودعت "جميع الأطراف لدعم جهود الحكومة لإجراء إصلاحات اقتصادية هامة، وذلك لتحسين المستوى المعيشي، والفرص الوظيفية، والازدهار المستدام الذي يستحقه الشعب اليمني". وأشارت مجموعة ال10 إلى "أنها تدرس بعناية اقتراحات تشير إلى أن عناصر من قوىً سياسية محلية أخرى تشجع تدهورات كهذه، أو أنها تؤجج حالة عدم الاستقرار، وذلك لتحقيق أهداف شخصية على حساب الشعب اليمني"، محذرة من أية محاولات من خارج اليمن لدعم أعمال تؤدي إلى الفوضى العامة، لأن هذه المحاولات لا يمكن اعتبارها صديقة لليمن، أو داعمة للمرحلة الانتقالية السياسية.