حظيت افتتاحية العميد رئيس تحرير السياسة الكويتية الأستاذ أحمد الجار الله المنشورة في العدد الصادر يوم أمس تحت عنوان “عندما احتال النسر على الثعلب في اليمن” بمتابعة واهتمام كبيرين من قبل القراء في اليمن وخاصة في الأوساط السياسية والإعلامية منذ الساعة الأولى لنشرها على موقع “السياسة” الالكتروني. ولم تمضي ساعات حتى جاء رد الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح على افتتاحية الجارالله، من خلال منشور بصفحته على الفيسبوك حمل عنوان: “ملاحظات إلى الصديق رئيس تحرير “السياسة” وتصدرت أمس واليوم افتتاحية السياسة، وردّ صالح قائمة المقالات من حيث عدد المتصفحين مما تسبب في ضغط كبير على الموقع الالكتروني للصحيفة، حيث شكى غالبية المتصفحين من اليمن من بطء شديد عند محاولتهم تصفح المقالين وعدم إمكانية الوصول إليهما إلا بعد القيام بمحاولات عده، علاوه على اكتساب الموقع آلاف المتابعين من الداخل اليمني. هذا وكانت معظم المواقع الإخبارية اليمنية قد أعادت نشر المقالين تحت عناوين مختلفة منها “رئيس تحرير صحيفة كويتية للرئيس صالح: تمعن طويلا في هذه القصة وأعد حساباتك”، والرئيس صالح ردا على أحمد الجار الله: أنا "راقص" ترك السلطة لثعابين "لدغت بعضها"، و”صحيفه خليجية توجه رسالة شديدة اللهجة إلى علي صالح وتتمنى أن يقرأها”. ونقل موقع آخر: ب"النص الرئيس صالح يرد على افتتاحية العميد. وأثارت افتتاحية السياسة الكويتية جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد لما جاء فيها, خاصة تشبيه صالح بالثعلب وعبدالملك الحوثي بالنسر, وبين معترض على ما جاء فيها وبين من انتقدها بشدة وخاصة من أنصار صالح الذين رأوا أن ما جاء في الافتتاحية كان مجافيا للحقيقة, رافضين اتهام صالح بالتحالف مع الحوثيين للعودة إلى الحكم أو أنه ترك حزبه “المؤتمر الشعبي” ليصبح مطية للحوثيين للتوسع والهيمنة على قرار اليمن, فيما رأى ناشطون موالون للحوثي أن الافتتاحية كانت تحريضا واضحا ومحاولة لتأليب صالح وحزبه ضد جماعة الحوثي. وفي ما يلي رد الرئيس صالح: ملاحظات إلى الصديق رئيس تحرير “السياسة”: عهدي بالكاتب الصحافي الصديق العزيز الأستاذ أحمد الجار الله, رئيس تحرير “السياسة”, فطناً حصيفاً, لا يشتغل على السطح, ولا يهمل تعمُّق المعرفة للإلمام بحقيقة ما يطرق ويطرح. ليس الجار الله هو من تأخذه زمام فكرة الشائعات, فيخطئ الاستقراء مقدمة والحكم نتيجة. وإنْ حدث, فإنه أولى بأن يراجِع ما أعطى من رأي, وأن يُرجِع البصر كرتين, فلعله استُزِل أو استُنزِل من صهوة الإنصاف, وغاصت قوائمه في كبوة الإجحاف. والكيِّس من دان نفسه. لم أظن, أبداً, أن مثل الجار الله, وهو من نعتبره واحداً من أفقه أهل الكتابة وأثقف المحللين العرب, يمكن أن يحتاج إلى التذكير” بأن صالح هو من أعطى المبادرة الخليجية ولم تؤخذ منه. وهو من فرضها حلاً ومخرجاً لبلاده ولشعبه. فكيف يصح القول إن صالح عاد, بعد كل هذا, يبحث عمَّا وعمَّن يعيد إليه ما أخذته منه المبادرة؟ هذا منطق غريب بالفعل, وقياس عجيب. فإن من أعطى سلطة ودولة وحكومة وحكماً وجيشاً وأمناً وخزانة, في سبيل أن تنجو بلاده من تبِعات الصراع, ويسلم شعبه من محرقة الفتنة, لا يتقبل عقل أو عقلاء أن يُقال, بعد هذا, إنه يمكن أن يطلب ما أعطى, أو يبحث عن شيء مما بذل. إن من سلم بلاداً آمنة, ودولة متماسكة, وقوة كاملة, لن يكون, بحال من الأحوال, هو من يفكر باستعادة “لا دولة”. لقد كانت بين يديه, وطوع إرادته, كاملة غير منقوصة. فأي وجاهة أو معقولية يمكن الاحتجاج بها, أو إليها, للقول إنه عاد يطلب شتات قوة أضاعها الخَلَف؟ ساق الجار الله, في مقالته الأخيرة, قصة حسبها تومئ إلى مشهد ما يحدث في اليمن أو تلخصه أو تعبّر عنه, (النسر الذي احتال على الثعلب). في الحقيقة, فإن القصة الأقرب إلى الواقع يمنياً, كانت ولا تزال “الراقص والثعابين”. عندما قرر الراقص, أخيراً, أن يترك للثعابين الفرصة, تلادغت وكان ما كان. علاوة على هذا, فإن حكمة الحكماء ورجاحة العقلاء, لا يصح أن تُقاس إلى مثال ثعلب, فالخبث ليس دهاءً, والفتك ليس حكمة. فالقصة, برمتها, بعيدة عن ملامسة القصة في اليمن, حدثاً وشخوصاً. سلمناها كاملة, وعن قوة مقدرة لا عن ضعف أو جُبن, حباً وكرامة لشعبنا ووطننا وأهلنا وأمتنا, ولأشقائنا في الجوار. من جاء ساء وأساء واعتمد المضاربة بين الرؤوس, فتدامت وتلادغت, وكان أخيراً ضحية لها! السياسة والحكمة والدهاء, ليست بالضرورة خبثاً ومكراً وغِيلة, على الإطلاق. فإن الدهاء والحكمة منجاة, لكن الغدر والمكر مهلك لصاحبه ولمن حوله. فانظر أي الأمرين أقرب إلى السلف من الخلف؟ ولا بأس أن أذكر الأستاذ الجار الله, لو كان هناك تحالف بيني والحوثيين, لرأيت وضعاً غير الوضع, وحالاً غير الحال, ولاختلف المآل عن المقال. لكنك, وأنت ترى أن أبرز وأكبر قرارات الحوثي استهدفت البرلمان ذا الأغلبية “المؤتمرية”- بما يعني, تماماً وحصرياً, استهداف “المؤتمر” حزباً ورئيساً- فكيف يُستنتج من هذا تحالف؟ وهو لم يستهدف من القوى السياسية غير “المؤتمر”! لا يعيب الجار الله أن يخطئ في القراءة والاستنتاج, فيراجع ما لديه وما اعتمد عليه, ويصحح الخطأ. لعله, وهذا أغلب الراجح, اعتمد مقولات ومعلومات ونشرات في فضائيات عربية معروفة بالارتجال, إن لم نقل الهرجلة. أو ربما من أفواه معلقين عدِموا الإنصاف, وفجروا في الخصومة. ولا يغيب عن بالكم أن هناك مراكز وجهات تدفع وتموّل التضليل المعلوماتي والإعلامي, لأهداف خائضة في غير نزاهة اليد والمقصد. ومعروف, أيضاً, دورها في أحداث الربيع العربي, وما الذي آلت إليه الأمور في تونس وليبيا ومصر وسورية واليمن, ونربأ بكم عن استقاء معلوماتكم من هكذا مصادر أو أخذها على جانب من الأهمية. ولا أعاتبك الاختلاف في الرأي, فهذا محل تقدير واحترام منا ولا تضيق صدورنا به, إنما ألفت إلى أهمية تحري المقدمات طلباً للإنصاف والموضوعية في الاستنتاجات. أما نحن, أيها الصديق العزيز, وأنت عندنا كما كنت دائماً محل احترام, فكما قدمنا المبادرة وأصررنا على الآلية التنفيذية المزمنة, فإننا لا نزال وسنبقى أوفياء لمبادئنا ولشعبنا ومتصالحين مع أنفسنا وقومنا وقيمنا. نحض على الحوار والإخاء وتغليب الوطن على الأهواء والأغراض والجماعات والفئات. وتقبل موفور التقدير والتحيات.