قال اللواء الركن جلال الرويشان الوزير المعين من قبل الحوثيين وزيرا للداخلية إنه كان لديه أمنية ولا تزال بأن يكون صحفيا أو كاتبا أو إعلاميا، كون العمل الإعلامي والصحفي مرتبط بحرية الرأي والتعبير أكثر من أي عمل آخر. ويأتي هذا البوح الذي نشره الرويشان في صفحته الشخصية على موقع "فيس بوك" في الوقت الذي تمارس الأجهزة الأمنية التي تقع تحت إمرته أبشع صور الانتهاك بحق الصحافة والصحفيين، بلغت حد استخدامهم دروعا بشرية.
وقال الرويشان أنه نتيجة أسباب عديدة، ليس المجال مناسب للإشارة إليها، ذهبت الظروف والعوامل المحيطة به بعيدا عن هواية الكتابة والعمل الإعلامي، حتى وجد نفسه ضابط شرطة، التي قال إنها لا تتوافق في العالم الثالث مع هواية الصحافة والإعلام.
وأضاف أنه حينما انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها "فيس بوك" أنشأ صفحته الشخصية، وجعل شعارها( حريتي هي أغلى ما أعيش به . إن لم تكن فحياتي كلها عبث ).
وتحدث الرويشان عن الصدمات التي وقعت له عقب تعيينه رئيسا للجهاز المركزي للأمن السياسي، جراء قيام العديد من الكتاب والصحفيين بحظره وإلغاء صداقته، مضيفا قوله : "أعرف جيداً أن حالة التصادم وعدم الانسجام بين الكاتب ورجل الأمن ، وبين المثقف والسلطة بشكل عام هي حالة ملازمة لأنظمتنا السياسية العربية، لأن هذه الأنظمة تعاني أساساً من عدم النضج السياسي . وهي إما أن تكون في غالبها مغتصبة للسلطة أو رافضة لعملية التداول السلمي لها بعد وصولها إليها ، وحين تبدأ ديكتاتورية النظام الحاكم ، ومع مرور الوقت وتراكم حالات الشعور باليأس وتدهور الخدمات والحقوق والحريات العامة يصبح المثقف مناوئاً للنظام ، ويصبح رجل الأمن مدافعاً عنه ، ولا يجد أحدهما مفراً من الوقوف في ذلك الموقف وأحياناً بدون وعي" .
وأشار إلى ظهور العديد من الصفحات في مواقع التواصل تحمل اسمه عقب تعيينه وزيرا للداخلية ضمن حكومة الكفاءات، وهي المرحلة التي غيرت الكثير في حياته، نافيا أن يكون له علاقة بتلك الصفحات، ولا من يديرها.
وأضاف بأنه قرر التوقف عن الكتابة ليس جبنا ولا خذلاناً، وإنما لأنه وجد المهمة كبيرة وتستلزم بذل كل ما لديه من جُهد وطاقة وقدرة لمساعدة الوطن الجريح بفعل السياسة وتصرفات أقطاب الصراع السياسي، بالإضافة إلى أنه وجد أن مجرد تعزية شخص لموت أحد أقاربه أو تهنئة شخص لمناسبة سعيدة مرَّت بحياته سُرعان ما تتحول من خلال التعليقات إلى مناكفات وصراع على صفحات الشبكة العنكبوتية تزيد من حالة الانقسام والفُرقة .
وقال : "كما وجدت أن البلاد ذهَبَت إلى منحدرات أخطر وتقَّسمت وتقَّزَّمت حرية الفكر والرأي، وأصبحنا بين خيارين أحلاهما مر ، من لم نكن معه فهو يرى أننا ضده ، ولا يقبل النقاش ولا الحلول الوسط .. وهكذا لم يعد الأمر مجرد التعبير عن وجهات النظر أو الإختلاف في الرأي ، بل تجاوزه إلى صراع سياسي مرير تداخلت فيه المصالح الداخلية والإقليمية والدولية وحروب ومواجهات داخلية وعدوان خارجي غير منطقي وغير مُبرر ، وسُفِكَت دماء اليمنيين ودُمِّرت منازلهم ومُقدراتهم ووسائل حياتهم ، وأصبح القتل والاعتقال والقصف بالقنابل والصواريخ المحرمة دولياً يسبق اختلاف وجهات النظر وتعارض الآراء ".
وأضاف بأنه في الوقت الذي كان المواطن يبحث فيه عن الوقود والغاز والماء والغذاء والدواء، انتشرت الفتاوى والتبريرات والأسانيد التي تبرر القتل والحصار والعدوان وانتشال جثث أطفال ونساء اليمن من تحت أنقاض منازلهم في صعدة وعدن وصنعاء ولحج وتعز ومأرب، وغيرها من المدن والقرى اليمنية ودون وازع من دين أو مانع من ضمير محلي أو إقليمي أو دولي ، مشيرا إلى أن الجراح تعمقَّت وتوسعَّت الهوة بين أصحاب الرأي، وتقزَّم الشعور بروابط الدين واللغة والتاريخ المشترك حتى أًصبح اليمنيين يحصرون الهوية الوطنية والعربية والإسلامية في هوية القرية والمنطقة والمذهب.
وقال : " صرنا نقتُل ونُقتَل ونَعتَقل ونُعتَقل ونرفض أو نوافق على العدوان بدافع هذه الهوية الضيقة .. فوجدت أن ما بعد هذه الجراح إلا الأسى . وما بعد هذا الألم إلا الصمت ".
واختتم الرويشان منشوره بالقول : "لست يائساً ولا متشائماً وسأبقى واثقاً أن بلدي ستتجاوز محنتها بفضلٍ من الله سبحانه وتعالى . وبفعل جهود هذا وذاك من أبناء اليمن .. هذا وذاك . وليس هذا أو ذاك .. هذه هي اليمن . وسنذهب جميعاً وتبقى اليمن .. والأيام بيننا" .