نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلها بن هبارد، تحدث فيه عن الأوضاع في العاصمة اليمنيةصنعاء تحت سيطرة الحوثيين وقصف قوات التحالف. ويقول الكاتب إن نادي الضباط في العاصمة كان قبل الحرب من أهم أماكن الاستجمام، حيث كان يحتوي على مقهى وحديقة ومسبح، أما اليوم فيسيطر الحوثيون على ما تبقى من صنعاء. ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الحوثيين يصرون على أن سيطرتهم على صنعاء هي لصالح اليمن، فيقول مسعود سعد (19 عاما)، الذي ترك المدرسة لينضم للمقاتلين: "كان هناك فساد كبير، وكانت هناك سرقات في السابق.. أردنا أن نبين دين الله بالطريقة الصحيحة". وتلفت الصحيفة إلى أن الحوثيين كانوا في السابق حركة متطرفة في شمال اليمن، واشتهرت عندما سيطرت على الشمال الغربي لليمن عام 2014، ومنذ ذلك الوقت دفعوا بالحكومة الوطنية خارج البلاد، بادئين بذلك حربا جديدة في الشرق الأوسط، حيث أصبحوا المستهدفين من التحالف العربي، الذي تقوده السعودية. ويورد هبارد نقلا عن المتحدث باسم الوحدات العسكرية المتحالفة مع الحوثيين الجنرال شرف لقمان، اعترافه في مقابلة معه في السيارة؛ لأن وزارة الدفاع قصفت، بأن خطوط التماس لم تتغير على مدى عام، وقال: "خسرنا كل شيء وبنيتنا التحتية، ولم يبق لدينا ما نخسره.. والآن هي مجرد حرب استنزاف طويلة الأمد". ويبين التقرير أن سيطرة الحوثيين على مناطق مهمة جعلتهم محورا ضروريا في الجهود الدولية لإنهاء الصراع، وجعلت صناع القرار والمفاوضين يحاولون فهم ما يريده الحوثيون، بالإضافة إلى أن موقف الحوثيين من أمريكا يزعجها، حيث كانت أمريكا تعد اليمن حليفا لها في الحرب على تنظيم القاعدة، فقامت بمساعدة السعودية في حملتها العسكرية ضد الحوثيين، مشيرا إلى أن شعار الحوثيين هو: "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام". وتذكر الصحيفة أن حركة الحوثيين بدأت بصفتها صحوة دينية في تسعينيات القرن الماضي بين المسلمين الزيديين، في محاولة لمقاومة الجهود السعودية في نشر صيغتها من الإسلام السني الأصولي، لافتة إلى أن المجموعة تأخذ اسمها من اسم مؤسسها بدر الدين الحوثي، الذي قتلته القوات اليمنية عام 2004، وقام أتباعه بتمرد ضد الحكومة، حيث خاضوا عددا من حروب عصابات مع الحكومة اليمنية. وينوه الكاتب إلى أن "هذه الخلفية جعلت المجموعة تطور نفسها بصفتها قوة محاربة، لكنها لم تفرز سياسيين مبدعين، ولا مفكرين، ولا تكنوقراط، وكان هذا واضحا خلال زيارة صحافيي (نيويورك تايمز) إلى صنعاء، فتعتمد إدارة الحوثيين كثيرا على الموظفين الحكوميين، الذين يعملون رغما عنهم تحت سيطرة الحوثيين، كما يعتمدون على أتباع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي تحالف معهم". ويجد التقرير أن "ما يعطل جهود الحوثيين لإدارة البلاد أكثر القصف السعودي، الذي دمر الاقتصاد المتداعي أصلا، والبنية التحتية الضعيفة". وتفيد الصحيفة بأنه في مقابلة خلال زيارة قريبة إلى اليمن، وصفت قيادات الحوثيين والأفراد أنفسهم بأنهم "ثوريون"، مثل حزب الله في لبنان، وحركة حماس في غزة، وقالوا بأن هدفهم هو تطهير البلاد من الحكام الفاسدين، الذين تسيطر عليهم قوات أجنبية، وفي محاولة وصف أهدافهم تلفظوا بمعتقدات تتناقض مع تصرفاتهم. وينقل هبارد عن مجيد علي، الذي ترك الجامعة لينضم للحوثيين عندما استولوا على العاصمة، قوله: "رأيت أنهم يقفون مع الحق ومع المظلومين، ولم يكن الهدف هو السيطرة، لكن مساعدة المظلومين والضعفاء". ويستدرك التقرير بأن أعداء الحوثيين في اليمن والسعودية يشيرون إلى أنهم قوات تعمل نيابة عن إيران، التي تحاول نشر نفوذها في المنطقة، وتعمل على تحدي النفوذ السعودي. وتورد الصحيفة نقلا عن المحللين والدبلوماسيين الذين يتابعون القضية، قولهم إن الحقيقة هي في مكان وسط بين ما يدعيه الطرفان، ففي الوقت الذي يعد فيه الحوثيون شيعة، إلا أن المذهب الزيدي يختلف عن العقيدة الشيعية الرسمية في إيران، ولم تكن العلاقة بينهم قوية تاريخيا، مستدركة بأن كراهيتهما للسعودية جعلت الطرفين يتحدان، وقامت إيران بإمداد الحوثيين بالأسلحة والمساعدات التقنية؛ لمهاجمة القوات السعودية على طول الحدود. وينقل الكاتب عن المحللة المتخصصة في اليمن في مجموعة الأزمة الدولية إبريل لونغلي، قولها إن اندفاع الحوثيين من الشمال للاستيلاء على العاصمة كان عملا انتهازيا، بهدف الحصول على حصة حاسمة في القرار الوطني، وفي الأجهزة الأمنية والعسكرية اليمنية، وما هو غير واضح هو كيف غيرت الحرب هذه الأهداف، وأضافت: "والآن كونهم في العاصمة، يبقى السؤال هو كم يتصورون أن بإمكانهم البقاء بعد هذه التجربة مع الحكم؟". ويقول هبارد: "خلال زيارتنا إلى صنعاء والمناطق المجاورة، التي استمرت عشرة أيام، كان واضحا أن الحوثيين هم المسيطرون، فهم من أصدر لنا تأشيرات الدخول، وحددوا لنا المناطق التي يمكن أن نزورها، وحددوا لنا مرافقا لضمان عدم خروجنا عن البرنامج". ويضيف الكاتب أن "حواجز الحوثيين في الشوارع كلها، وأحيانا لا تبعد عن بعضها أكثر من ميل واحد، وفي بعض الأحيان كان المقاتلون الحوثيون على الحواجز يقرأون بصعوبة ما كتب على تصاريحنا الصادرة من الحوثيين أنفسهم ليسمحوا لنا بالمرور، ومع أن الحواجز تبطئ السير، إلا أن هذا الإجراء قلل من عدد التفجيرات الانتحارية والاغتيالات، التي كانت تتكرر في العاصمة، وربما يكون هذا هو أهم ما حققوه في حكمهم". وبحسب التقرير، فإنه "عندما فرّ الرئيس المعترف به دوليا، عبد ربه منصور هادي، من صنعاء، بقي الكثير من بيروقراطية الدولة وتحالف الحوثيون مع أتباع علي عبدالله صالح، الذي أطيح به عام 2012، وذلك لمد سلطتهم على أجهزة الدولة التي أضعفت، وقام التحالف، الذي تقوده السعودية، بقصف الوزارات كلها، وما بقي منها صحيح يقف فارغا؛ لأن الموظفين يخشون الغارات الجوية، بالإضافة إلى أن أجورهم لم تدفع بعد". وتكشف الصحيفة عن أن الحوثيين عينوا في كثير من الأحيان موالين لهم، لا يملكون أي شهادات، في مواقع مسؤولية عن موظفي الدولة، الذين يملكون خبرات مهمة، لافتة إلى قول أحد رجال الأعمال في صنعاء إنه ذهب إلى مركز الشرطة لرفع شكوى، فوجد أن هناك حوالي 12 ضابطا لا يستطيعون اتخاذ قرار دون العودة إلى المسؤول الحوثي. ويقول هبارد إنه "لزيارة مستشفى الأطفال والولادة الرئيسي في صنعاء كان علينا أن نأخذ تصريحا من مديره الجديد، الذي قال إن مؤهله الوحيد هو درجة الدبلوم في التمريض، وقال ممرض عمل في هذا المجال لمدة 16 عاما إنه لم يتم دفع راتبه لمدة شهرين، مضيفا أنه ليس بإمكان الحوثيين أن يمولوا إدارتهم". وينقل التقرير عن متحدث بشرط عدم ذكر اسمه؛ خشية الاعتقال، قوله: "لو خرجت إلى الشارع للاحتجاج يمكن أن يلقى القبض عليك وتؤخذ إلى السجن.. فكل ما هو موجود مليشيات مسلحة". وتشير الصحيفة إلى أنه في مقابلة مع رئيس المجلس السياسي الأعلى، صالح الصماد، قال عن المجلس إنه "أعلى سلطة في البلاد"، لكنه اعترف بأن المصادر الرئيسة للدخل ليست في يده، لافتة إلى أن المجلس تلقى صفعة أخرى في أيلول/ سبتمبر، عندما نقل الرئيس هادي البنك المركزي اليمني، الذي يدفع رواتب 1.2 مليون موظف حكومي، إلى مدينة عدن الجنوبية، حيث تسيطر إدارته. ويلفت الكاتب إلى أن الصماد حمّل مسؤولية الأزمة الإنسانية، التي تمر بها اليمن، لكل من السعودية وأمريكا والأمم المتحدة، لكنه قال إن الأزمة تزيد من تصميم الشعب على القتال، وأضاف: "إن معظم الشعب اليمني مسلح، ويعدون السعودية مسؤولة عن إهانتهم.. وكلما ساء الوضع الاقتصادي دفع الناس أكثر باتجاه المواجهة والجبهات". ويستدرك التقرير بأن همة الحوثيين القتالية، وتحالفهم مع بعض وحدات الجيش اليمني، مكناهم من القيام بهجمات مؤلمة ضد السعودية، وإطلاقهم لصواريخ بالستية عبر الحدود مع السعودية؛ متسببة بقتل جنود ومدنيين. وتقول الصحيفة إن "الهدف النهائي للحوثيين لا يزال غير معروف، فقد شاركوا في مفاوضات السلام، ووافقوا على وقف لإطلاق النار منذ فترة قريبة، لكن الهدنة انتهت يوم الاثنين، وسط تبادل الطرفين للاتهامات بخرق الهدنة، ولا يوجد مؤشر إلى متى تستمر المفاوضات". ويذكر هبارد أن كثيرا من اليمنيين في الجنوب والشرق يعارضون ما يرونه انقلاب الحوثيين، منوها إلى أن قياس مدى التأييد للحوثيين أمر صعب. وينوه التقرير إلى أن جمعيات حقوق الإنسان تتهم الحوثيين بالهجمات العشوائية على المناطق المدنية، وممارسة الاعتقالات التعسفية، والتعذيب ضد معارضيهم السياسيين، مستدركا بأن بعض اليمنيين الذين يعيشون تحت حكم الحوثيين يقولون إن تدخل السعودية وحد قوى مختلفة ضد عدو مشترك. وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول طارق محمد، وهو شرطي من حجة: "ما الذي جمع الجيش مع أنصار الله؟.. إنه الاعتداء ضد بلدنا، وهو الذي دفعنا لنكون يدا واحدة".