لا أظن أن هناك روحاً شريرة أكثر من تلك التي تحاول إدعاء تمثيلها للإسلام الصحيح في سبيل تحقيق مصالح دنيوية أنانية. ينطوي هذا الإدعاء على جملة ممارسات سلطوية ديكتاتورية تحاول إخضاعنا لإرادتها, وإن لم تجرؤا على الإفصاح جهراً بذلك, لكنها على أي حال تفعل. أخذ رئيس حزب الإصلاح, محمد اليدومي, يبدو كأنه مصمماً على ترك انطباعاً سلبياً, في حوار متلفز أجرته معه قناة سهيل الفضائية, الأسبوع الفائت, أو هذا ما استنتجته على الأقل. لم يكن لدى اليدومي شئ ليضيفه سوى اقتراض وتكويم المزيد من الأكاذيب والضغائن ضده, رغم أنه جهد في أن تغلب على أرائه نبرة الاعتدال في بعض المواضيع, لكنه فشل تماماً, وظل هو نفسه اليدومي أيام حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح. يجيد رجال الدين ترك هموم الناس وراءهم عند انشغالهم بممارسة السياسة والسعي نحو السلطة, ربما سيكون من الأفضل لي هنا أن أصوغ ما سبق على هيئة سؤال؛ لماذا يكثرون من التأكيدات على أهمية أن تكون هوية الدولة "إسلامية" في الفترات الانتقالية التي تمر بها بلدان الربيع العربي؟ في إجابات محمد اليدومي حول مسألة "هوية الدولة" ما يكفي لطمأنته وحزبه, إن كان يهتم فعلاً, ما لم يكن أقل أهمية هو رده على سؤال "هل المشكلة في النص أم في التطبيق", أجاب: "لا ليس في النص وإنما في الفهم, الشعب اليمني لن يقبل مصدر رئيسي, الشعب اليمني منذ أيام القاضي الإرياني ومنذ سنوات طويلة إن الإسلام هو الحاكم للشعب اليمني". أتعجب إن كان هذا صحيحاً! حتى إثر أعظم مجهود ذهني ممكن يستحيل أن تستشف الحقيقة المستجدة بعد, لأنك لو نظرت إلى الأمر على النحو الذي رآه اليدومي سلفاً, لقُلتَ بلا تردد أحد أمرين؛ إما أن علي عبدالله صالح كان بريئاً للغاية, وإما أن اليدومي كان قد رمى ب"الإسلام" أرضاً فيما مضى, هذا ما رجح لدي, وكلا الأمران يدينان اليدومي بشدة. يتصرف تيار الإسلام السياسي بناءً على فهمه التاريخي للسلطة, أي بما من شأنه أن يساعد على تطبيق مبدأ طاعة ولي الأمر متى كان في قمة السلطة, وهو مبدأ ديكتاتوري يقوض على نحو قاتل فكرة الديمقراطية من أساسها, وإذا ما استعصى عليه ذلك, فإنه ينتقل إلى أنجع الوسائل لممارسة السلطة الخفية في نظام الحكم من خلال إبقاء انتمائه لفكرة الدولة مرهونا بشروطٍ يضعها هو؛ لذا ترى في الفترات الانتقالية المتمردة لدول "الربيع العربي" هذا الحرص المبالغ فيه على نقطة "هوية الدولة", وهي نقطة ليست محل خلاف ونقاش أصلاً من قبل عامة الناس, إلى جانب وجود تصور مزاجي مسبق لدى رجال الدين المتأهبين, لما هو إسلامي وما هو غير إسلامي, هو بمثابة حائط صد استباقي لأية معارضة ضد ضغوطهم وتدخلاتهم السافرة العلنية أو الخفية في السلطة, وبحيث لا تعود القوانين تشملهم؛ لأنهم فوق القوانين متى كانت أطماعهم ومغانمهم في خطر. أشك في أن اليدومي اكترث يوماً لمتاعب الناس, ولطالما قام بأعمال لا تتلاءم مع كونه إنساناً حتى, لديه ضحاياه كُثُر, وقد يتوجب عليه أن يلزم الصمت وكفى.