طالب يهودي طرد من مدرسة يهودية لمجرد انتقاده لحديث زعيم الطائفة اليهودية في ألمانيا جوزيف شوستر، الذي عبر فيه عن رفضه لتدفق المسلمين لأوروبا، واصفاً تلك الآراء بالعنصرية. الطالب اليهودي "أرمين لانجر" الذي طرد من مدرسة إبراهام غيغر لتعاليم اليهودية في بوتسدام، ندد بوجهات النظر التي انتشرت إثر هذا الحديث.
وقد تسبب الأمر في موجة جدل حول صوابية الخوف الذي انتاب اليهود من زيادة معدلات الهجرة من الدولة الإسلامية، التي تحمل الكثير من العداء لإسرائيل.
وقال الطالب المعاقب، إن ذلك القيادي بالمجلس المركزي لليهود في ألمانيا (شوستر) كان مخطئاً في رغبته بإيقاف هجرة المسلمين بحسب تقرير ل"apnewsarchive".
سلام شالوم
ويعد لانجر مؤسساً لإحدى المجموعات الداعية للسلام والحوار بين المسلمين واليهود، والتي تدعى "سلام - شالوم" في إشارة إلى كلمة السلام المتقاربتين في طريقة اللفظ في اللغتين العربية والعبرية، وقد أكد أن اليهود لا ينبغي عليهم أن ينظروا إلى الأقليات الأخرى بدون تسامح.
ويقول لانجر (25 عاماً) "إذا تعرضت أقلية واحدة لمعاملة سيئة، فلن يطول الأمر حتى تلقى الأقليات الأخرى المصير ذاته"، وذلك في تصريحاته لوكالة أسوشيتدبرس خلال اللقاء الذي أجرته معه الوكالة بمقاطعة "نيوكولن" في برلين، والتي تجمع عدداً كبيراً من المهاجرين المسلمين.
كما شارك لانجر في احتجاجات مصغرة أمام المجلس المركزي في برلين، عقب تصريحات قال فيها "جوزيف شوستر" لصحيفة دي فيلت الألمانية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 "لن نلتف عاجلاً أم آجلاً حول الحدود القصوى" التي وضعت للمهاجرين.
وأعرب لانجر عن الأسف؛ لأنه استخدم لهجة قاسية بحق شوستر عند حديثه لصحيفة Die Tageszeitung الألمانية، إلا أنه رأى أيضاً أن الجامعة كانت على خطأ عندما حاولت قمع آرائه الشخصية.
وكان كثير من أعضاء المجتمع اليهودي القوي في ألمانيا (البالغ عددهم 250 ألفاً) قد أعربوا عن غضبهم من تصريحات لانجر العام الماضي بعدما استقبلت ألمانيا ما يقرب من 1.1 مليون لاجئ مسلم، كما أعلنوا دعمهم لموقف شوستر ضد ما أطلقوا عليه زيادة معدلات معاداة السامية مرة أخرى في ألمانيا على يد الوافدين الجدد الذي يحملون العداء لليهود وإسرائيل.
وحذر شوستر فعلياً في وقت سابق من ارتداء اليهود لملابسهم التقليدية في المناطق التي يعيش فيها المسلمون بكثافة، حيث قال في أحد اللقاءات التي أجريت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 "كثير من اللاجئين جاءوا هرباً من إرهاب الدولة الإسلامية "داعش"، ويرغبون في العيش بسلام وحرية، لكنهم أيضاً قدموا من أماكن تمتلئ بكراهية اليهود، حيث يعد عدم التسامح جزءاً أساسياً وتكاملياً بثقافتهم".. حسب قوله.
وتأتي مخاوف اليهود من هجرة المسلمين على خلفية هجمات معادية للسامية ومناهضة لإسرائيل على يد شباب مسلم في ألمانيا خلال الحرب الإسرائيلية على غزة في 2014، وكذلك الهجمات الأخيرة التي نفذها متطرفون في باريس وكوبنهاغن وبروكسل، حيث عانت خلالها منظمات يهودية من عدة هجمات.
و يعيش في برلين 40 ألف يهودي، جاء أغلبهم عن طريق الهجرة في تسعينيات القرن الماضي من الاتحاد السوفيتي المنحل.
وقال الحاخام "والتر هومولكا"، مدير المدرسة التي عاقبت اليهودي، إن انتقاد لانجر لشوستر سبب غضباً على نطاق واسع بين اليهود في ألمانيا، كما صرح لأسوشيتد برس، أن لانجر قد انتهك متطلبات عقد التحاقه باعتباره طالباً، والتي تلزمه بتجنب أي ظهور إعلامي غير مبرر، كما أكد أنه تم إيقافه لمدة عام في يناير/ كانون الثاني 2016، وأنه يحق له الالتحاق مجدداً في 2017، بعد عدد من الاجتماعات بين الإدارة المكونة من عدة حاخامات، وكذلك مؤتمر الحاخامية الألمانية العام.
بيد أن لانجر، وهو يهودي مجري، قال إنه سوف يستكمل دراسة درجة الماجستير في العلوم اليهودية بجامعة بوستدام، وإنه سوف يستكمل تدريبه الديني في مكان آخر.
ورفض شوستر إجراء مقابلة مع أسوشيتد برس، وقال في تصريح مكتوب إنه لم يكن له دور في طرد لانجر، لكنه يتفهم سبب حدوث ذلك. حيث قال إنه ينبغي على الحاخامات أن يحملوا على عاتقهم نشر الحوار المتزن وليس آراء الاستقطاب.. حسب قوله.
معاداة اليهود في المجتمع الألماني
وقال شيكد سبير، الناشط الذي يحمل الجنسيتين الألمانية والإسرائيلية ويعمل في مجال مساعدة اللاجئين الذين قدموا إلى ألمانيا، إنه من العبث إلصاق تهمة معاداة السامية بالمهاجرين.
وأوضح سبير "ثمة حالة من معاداة السامية متجذرة في المجتمع الألماني. لا ينبغي علينا أن ندّعي الآن أن المهاجرين هم من يجلبونها معهم".
وكان أجداد هذا الناشط هربوا من ألمانيا النازية في ثلاثينيات القرن الماضي قبل محرقة "الهولوكوست" التي تسببت في مقتل 6 ملايين يهودي.
وقال إن الطلب الذي تقدم به شوستر لحصر عدد طالبي اللجوء جعله يشعر بالقلق؛ لأن هذا يعكس موقف جناح اليمين الألماني القومي الذي يحمل كثيراً من أعضائه آراءً تعادي السامية أيضاً.
وقال ليفي سالومون، المتحدث باسم جماعة ضغط برلين، المنتدى اليهودي للديمقراطية ومناهضة معاداة السامية، إن احتواء المهاجرين بين أطياف المجتمع الألماني يجب أن يحدث بسرعة، كما ينبغي أن تحتوي تلك العملية على محاضرات توعية "بشأن الهولوكوست ومعاداة السامية".
أخاف على أبنائي
ويظهر الخوف من المهاجرين المسلمين جلياً عند بعض الأسر اليهودية، حيث أخبرت إحدى الأمهات اليهوديات أسوشيتدبرس، إنها لا تسمح لأطفالها الثلاث أن يتحدثوا العبرية خارج منزلهم في برلين.. وفقاً لتقريرأسوشيتد برس.
وقالت الأم التي طلبت عدم ذكر اسمها خوفاً على سلامتها "عندما نخرج من المنزل أخبر أطفالي أن يتحدثوا الإنجليزية؛ فأنا خائفة أن يتعرف أحد الأشخاص على هويتنا اليهودية أو الإسرائيلية فيؤذينا".. حسب قولها.
ويرى لانجر الذي استضاف لاجئاً مصرياً في منزله الخاص لشهور عديدة، إن مثل تلك المخاوف يمكن تجاوزها من خلال الحوار المباشر بين المسلمين واليهود.
وأوضح أنه ينبغي على اليهود الألمان أن يشعروا بالقلق تجاه تصاعد وتيرة العنف والهجمات التي تتكرر بصورة شبه يومية ضد الوافدين الجدد من اللاجئين.
واختتم لانجر قائلاً "ما ينبغي علينا فعله الآن، المسلمين واليهود، أن نناهض سوياً معاداة السامية ورهاب الإسلام في ألمانيا".