يحتفل الشيعة في الثامن عشر من ذي الحجة، في أصقاع الأرض، بعيد الغدير، وهو يوم ولاية علي بن أبي طالب.. فتنظر الفرق الأخرى لهذه الطائفة بعين المغالاة في حب هذا الرجل، الذي يجب أن تحتفل به كل الفرق والطوائف، لأنه يمثِّل الإنسانية ولا يمثل طائفة بحد ذاتها. وكلما احتفل الشيعة بهذا اليوم -سواء في اليمن أو في الدول التي يتواجد فيها محبو علي وشيعته- فلا بد أن تحدث تفجيرات وقتل وأحزمة ناسفة، وكأن الاحتفال بعلي بن أبي طالب يعدُّ كفراً بواحاً!! من حق أيّة فرقة أن تحتفل بما تشاء.. وكلُّ القوانين تكفل للمواطنين ممارسة طقوسهم وشعائرهم. قرأتُ كثيراً عن علي بن أبي طالب.. وغالباً ما كنت أنتهي من قراءة الكتاب وأنا أتحسَّر على هذا التاريخ الذي أصبح صاروخاً توجِّهه كل فرقة في وجه الفرقة المناوئة لها.. فإن كان المؤلف شيعياً فستأخذه العاطفة ويبالغ في وصفه بما ليس فيه ولا يحتاج إليه، وإن كان المؤلف سنيّاً فلا بد أن تشده عاطفته ويغمطه حقه. لم أعرف علي بن أبي طالب حق المعرفة إلا حين قرأت كتاب "الإمام علي صوت العدالة الإنسانية"، وهو موسوعة من خمسة مجلدات، للكاتب المسيحي جورج جرداق.. تناول هذا المسيحي علي بن أبي طالب كفيلسوف وكإمام، وكشخصية عظيمة تركت للبشرية الكثير من الضوء، بعيداً عن منغِّصات يوم السقيفة التي لا طائل من ورائها سوى النفخ في نار الطائفية المقيتة.. علي بن أبي طالب إمام عظيم، وهو ليس حكراً على الشيعة، ولا على الحوثيين.. لأنه كان يتحدث باسم الإنسانية، وكان يتعامل مع الناس في خلافته، بميزان واحد، دون أن ينظر إلى أديانهم أو الطائفة التي ينتمون إليها. وحين نتقبَّل الآخر ونحترم فكرَه وآراءه، دون تعصُّب ودون تسفيه، نكون قد وصلنا إلى جوهر الإسلام الخالص.