الحياة في تعز فرصة جيدة لمعرفة كيف أن المدن تتراجع ، وكيف أن المدنيين من الناس أصبحوا – بفضل عضلات الثورة – ميالين إلى البنادق لكأنها أقصى وسائل الرفاهية التي كانت تنقص ملعونة الوالدين . تعز كانت أغنية وجريدة وتجارة ومواعيد حب وسلام ، أصبحت الآن مجرد صفحة حوادث يومية ، وخلي اللي ما ينضم للثورة يتفرج . في واقع الحال ، المتفرجون على حال تعز كثر ، على رأسهم فخامة الرئيس "هادي " ووزير الفرجة " قحطان" وزادوا غلقوها بإرسال لجنة رئاسية إلى تعز لحل خلافات الثأر التي نشبت مؤخرا ، وكذا للمساهمة في دعم توجهات المحافظ "شوقي" الهادفة إلى منع حمل السلاح في تعز ، والجماعة – الله يبارك بهم – ما قصروش ، هبطوا تعز مدججين بالأسلاحة وبالمرافقين واعتلوا "تبة "وثيرة في فندق " سوفتيل" وهتفوا بالناس : يا أهل تعز الثقافة .. اهجعوا واطرحوا السلاح!! أبصروا على لجنة وساطة حبوبين جدا . وعندهم – بالفعل – همّ وطني ضخم ، الله يجبرهم. ناقص بس يشكلوا لجنة رئاسية من المهربين المعروفين، ويوهدروا بهم إلى تعز لحل مشكلة التهريب . ويشكلوا لجنة من نهابي الأرضي يحلوا مشكلة نهب أراضي تعز . ويشكلوا لجنة من الحوثيين والإصلاحيين والسلفيين لحل مشكلة التضارب الحاصل بين هذه الأطراف الثلاثة على " الله " وهو حق من بالضبط !! بالنظر إلى ما أصبحت عليه تعز الآن ، فإن الصورة تبدو مؤلمة جدا : الرئيس هادي والوزير قحطان ، ورأس مال تعز بكله ، وسكان تعز ، ومنظمات المجتمع المدني وشباب الثورة ، وتوكل كرمان ، وأعضاء الحوار الذين ينتمون إلى هذه المدينة المسالمة والوديعة، كلهم أصبحوا مجرد جمهور فرجة فحسب ، وكل من شعر منهم أن الحبل السري الذي يربطهم بحصاد الثورة بدأ ينقطع ، يتغرغرون سريعا باسم تعز ، إذ أصبحت ملعونة الوالدين هذه مجرد عقار يتغرغر به أولئك المرضى النائمون على سرير الدولة المدنية الحديثة . من النوادر الملهمة والمثيرة للضحك أن عضو اللجنة الرئاسية المبندقة "جازم الحدي" قال – كما أشيع – أن تعز لم تعد عاصمة للثقافة ، وهذا صحيح وأتفق معه مائة بالمائة ، لكن الواضح أن ثقل حمولة البنادق التي جاء بها مبعوث السلام " الحدي" (حلوه هذه مبعوث السلام ) جعلته يقول في غير تصريح له أن محافظ تعز يعرقل التسوية (!) التي خرجت بها اللجنة الرئاسية بخصوص مقتل شقيق الشيخ حمود المخلافي ! يبدو أن مبعوث السلام – الله يرزقه- نبع بسرعة من البلاد إلى مكتب المحافظ طوالي، وكان يتطلع أن يجد أمامه محافظا ينتمي كلياً إلى جمهور الفرجة ، ويقول له : حاضر مرحبا . أو هكذا اعتقد . كان من الواجب على المحافظ " المتمدن" أن يستبك للجنة الرئاسية ويلبس المحازق والأوالي ويستقبلهم بالزوامل والقوارح ، وفي نهاية المطاف يقلهم مرحبا !! بالنسبة إلى "شوقي هائل" هذا الرجل الذي اعتبرناه ولازلنا فرصة لتعز سيظل في المأزق نفسه طالما وأن تلفونه - على الأقل – لم ينتبه إلى أهمية أن يضرب أرقام كبارات تعز لأخذ النصح والمشورة الكافيتين . ويكفي أن تعرف بأن اسم قامة كبيرة لرجل وفير الخبرة ك "منصور عبدالجليل " يظهر في شاشة المحافظ ك مكالمة لم يتم الرد عليها !! المؤلم فعلا أن تعز بكاملها الآن تبدو بالنسبة للأخ الرئيس ولوزير الداخلية ولجهابذة المبادرة مجرد مكالمة فائتة ، متى ما احتاجها أحد من حمران العيون ،سيعاودون الاتصال بها، دون أن يضرب رقما معينا ، بل يضرب حماس أبنائها الخُلّص ما يجعلها بلا كبير، وما يجعل من كباراتها - أيضا - مجرد مكالمات لم يتم الرد عليها . لكن تعز الضاجة – قديما - بالحياة لم تعد تتكلم ، البندقية لها صوت !! [email protected]