لم تمض دقائق على التفجير الإرهابي الذي استهدف مجمع العرضي، حتى تدفق سيل التحليلات في وسائل الإعلام وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، القليل جداً من الموضوعية والكثير الكثير من التخيلات والفبركات والتصريحات الوهمية وغير المعنية والتوظيف السياسي القذر غالباً للجريمة والاسترزاق منها أيضاً. التحليلات أو التخيلات، بمعنى أدق، التي سمعناها منذ الساعة الأولى للجريمة كشفت عوار النخب ووسائط الاتصال الجماهيري في التعاطي مع خطورة الحدث وشناعة الجريمة، وذهبت بعيداً عن الحقيقة نحو تخندقات الخصومة السياسية، واستدعت المزيد من الإثارة لترسيخ القناعات المسبقة وشيطنة الآخر في وعي القواعد الحزبية والأنصار. لدى الجماهير اليوم حشد هائل من الخزعبلات والتهريج، تشوش حقيقة المشاهد الهمجية التي التقطتها عدسات كاميرات المراقبة في مجمع ومستشفى العرضي، التي بثتها الفضائية مصحوبة ببعض الألحان الجنائزية، وتعليق سمج لم تترك قساوة الصورة متسعاً له في أذن المشاهد أو وعيه. وبقدر الوحشية التي لم يتخيل اليمنيون أن يشاهدوها، هناك كم من الهذيان يتدفق يومياً، على لسان النخب باسم طفاح، ومصدر مقرب، وآخر مطلع، وثالث رئاسي، ورابع أمني واستخباراتي، وآخر لا يحب الكشف عن اسمه.. زاد المشهد غموضاً، والفجوات الأمنية اتساعاً، والعقول حيرة، والنفوس خوفاً، وأفقدهم الثقة بكل شيء غير الموت الذي تحمله لهم سيارة مفخخة في أي منعطف، والإرهابي الذي يلقي بقنبلة عليهم في أي مكان وهم ينظرون مطمئنين إلى بزته العسكرية.. إذا كان الخطاب النخبوي لم يقدم تفسيراً وسببا لما شاهده الناس ولم يعرفوا منه دورهم في مواجهته وحماية أنفسهم ووطنهم منه، فلا يجب أن ينتظروا كثيراً نتائج تحقيق شفاف يضعهم أمام حقيقة ما حدث ويوجه جهودهم للإسهام في الحيلولة دون وقوعه مجدداً. الناس ينتظرون من رئيس الجمهورية قرارات عاجلة ترد الاعتبار لشرف الوطن وتضع الفاصل بين الزي العسكري الذي تضمخ بدماء الشهيد القهالي ورفاقه، وبين الذي لوثه جسد الإرهابي، وهذا أمر لا يخضع للمحاصصة ولا مراعاة فيه للتوافقية. يا فخامة الرئيس: لدى الناس الجرأة والاستعداد لمواجهة تلك الهمجية معك، وننتظر منك فقط أن تجرؤ.