توفي الخميس الماضي الشاعر والروائي والفنان التشكيلي السوداني محمد بهنس.. وجدوه بعد ست ساعات من وفاته متجمِّداً على أحد أرصفة القاهرة.. مات جوعاً وبرداً ونكراناً، كما يموت المتشردون الذين لا يلتفت إليهم أحد. محمد بهنس فنان تشكيلي، شارك في العديد من المعارض في السودان والخارج وخاصة في فرنسا، حيث أقام هناك في باريس، مدينة النور وعاصمة الفن، لأكثر من خمس سنوات، وله رواية شهيرة بعنوان"راحيل"، قال عنها النقاد إنها ميلاد لطيب صالح جديد، والطيب صالح هو الروائي السوداني وأحد أهم الروائيين العرب. ضاقت به السودان مبدعاً وفناناً وروائياً، واتَّسعت له حين عاد بداخل صندوق.. لم يسأل عنه أحد، رغم أن هناك من كتب مناشدات ونداءات بالالتفات لحال هذا الروائي الذي كان يعيش ببنطلون واحد وقميص طوال العام.. السفارة السودانية في القاهرة هناك أسرعت في اتخاذ كافة الإجراءات الخاصة بغسله وتكفينه وإرساله إلى السودان، وهي سرعة لا تُحمد عليها.. سرعة كان يحب أن تكون في حياته لتلافي ما وصل إليه.. أما الحكومة السودانية فستصدر بيان نعي وتملأه بإنجازات الراحل. مات محمد بهنس على الرصيف برداً وكَمَداً كما يموت الغرباء، وكما يموت النازحون، وكأنه مات احتجاجاً بعد أن تجمَّدت أحاسيس الناس المحيطين به والعارفين بمعاناته، علَّه بذلك يوقظهم من سباتهم اللا إنساني. الحكومات العربية لا تتذكر عظماءها ومبدعيها إلا وهم في ثلاجات الموتى.. إنها الضريبة الباهظة التي يدفعها الشعراء والفنانون والفلاسفة.. ضريبة الروح الأخرى التي يتمتَّعون بها دوناً عن العامة، ضريبة الإحساس بما حولهم حين يتألمون نيابة عن البشرية التي لا تعيرهم أدنى التفاتة.