متابعات تشهد تركيا تصعيداً سياسياً على خلفية قضية الفساد المتهم بها أعضاء في حكومة رجب طيب أردوغان منذ أكثر من أسبوع. مظاهرات عدة تعم شوارع العاصمة أنقرة ومدن اسطنبول وإزمير وبالكسير وبورصا ومرسين وموجلا وآيدن للضغط على رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان للاستقالة. في اسطنبول، استخدمت الشرطة خراطيم المياه والرصاص المطاطي للتصدي للمتظاهرين ومنعهم من الوصول إلى ساحة تقسيم. ثلاثة نواب، من بينهم وزير الثقافة السابق ارتورول غوناي ،أعلنوا انسحابهم من حزب الحرية والعدالة. واتهم غوناي الحزب بعرقلة عمل القضاء في التحقيق ضد الفساد. المفوض الأوروبي لشؤون توسيع الإتحاد ستيفان فولي، رأى أن التغييرات التي جرت في قلب الشرطة القضائية نسفت استقلالية وحيادية التحقيقات التي يقوم بها القضاء، وأعرب فولي عن "قلقه" إزاء إقصاء عشرات الضباط في الشرطة بأوامر من الحكومة، داعياً السلطات التركية إلى التعامل "بشفافية وحيادية" مع التحقيقات الجارية في قضايا الفساد. وأعلن الجيش التركي في بيان له "أنه لا يريد التدخل في الجدل السياسي الدائر في البلاد" موقف اعتبرته وسائل الإعلام رداً على مقال لمستشار سياسي مقرب من أردوغان قال فيه "إن فضيحة الفساد قد تكون مؤامرة لدفع الجيش للقيام بانقلاب عسكري". رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ألقى كلمة أمام الآلاف من مناصريه في مطار اسطنبول الرئيسي، ندد فيها بما اعتبره مؤامرة تستهدفه "واتهم بشكل غير مباشر، حركة الداعية الإسلامي فتح الله غولن بالوقوف وراء التحقيقات لكشف الفساد". وهاجم أردوغان المدعين العامين وقال إنهما يتهمان حكومته من دون دلائل. من جهتها كشفت مصادر أمنية تركية أن الشرطة عثرت على مبلغ 4.5 مليون دولار داخل صناديق أحذية أثناء مداهمة منزل سليمان أصلان، المدير العام لبنك "هالك بنك"، كما اعتقلت ريزا زراب، رجل أعمال إيراني معروف باستثماراته في تجارة الذهب. وأوضحت المصادر أن زراب أشرف على صفقات لتجارة المعدن النفيس بقيمة 10 مليارات دولار خلال العام الماضي وحده. وقالت مصادر دبلوماسية رفيعة إن إدارة بنك "هالك بنك" التركي استغلت "ثغرة ذهبية" في برنامج العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، لكبح طموحها النووي، وقادت أكبر عملية لغسيل الأموال بين البلدين. وكشفت أن عملية غسيل الأموال تمت من خلال تصدير الأتراك لذهب تصل قيمته إلى 13 مليار دولار، خلال الفترة من مارس 2012 وحتى يونيو 2013، بينما استقبلت تركيا في المقابل شحنات من النفط والغاز الطبيعي قادمة من إيران. وسمح الأتراك لإيران، الممنوعة من إجراء التعاملات بالدولار واليورو، بشراء الذهب باستخدام الليرة التركية، ما ساعد الإيرانيين على سد العجز في احتياطي النقد الأجنبي. وأشاد السفير الإيراني في أنقرة، علي ريزا بيكاديللي، بإدارة "هالك بنك" على ما أسماه "قرارات إدارية تتسم بالذكاء". بالمقابل أصرت إدارة البنك على أن دورها خلال فترة العقوبات المفروضة على إيران لم يخرج عن حيز الشرعية القانونية. وكان الكونغرس الأميركي، بالتعاون مع الرئيس أوباما، قد نجح في إغلاق تلك الثغرة في بنود قرار العقوبات في شهر يناير 2013. وكان بمقدور إدارة أوباما تطبيق تلك العقوبات على "هالك بنك" التركي واستبعاده من الشبكة المصرفية الأميركية، لكن بدلا من ذلك سعى البيت الأبيض إلى تكوين لوبي داخل الكونغرس، ساهم بدوره في إيقاف مفعول التشريع لإغلاق تلك الثغرة لمدة ستة أشهر إضافية، ما أعطى مهلة أمام الإيرانيين لتقويض نظام العقوبات والاستحواذ على أكبر كمية من الذهب. ودافعت الإدارة الأميركية عن قرارها بأنّ "تركيا سمحت بتمرير الذهب فقط إلى مواطنين إيرانيين وليس إلى الحكومة الإيرانية، وعليه فإن ذلك لا يعد خرقا صريحا لقراراتنا". ويرى مراقبون أن إدارة أوباما تعمدت التصرف على هذا المنحى نتيجة لعدم امتلاك أوباما الرغبة في الدخول في أية خلافات دبلوماسية مع رجب طيب أردوغان في الوقت الحالي. وأشار المراقبون إلى الدور المحوري الذي تلعبه تركيا في الأزمة السورية، وقالوا إن قرار وقف كافة أنشطة تجارة الذهب بين تركياوإيران كان سهلا جدا عن طريق إدخال بعض التعديلات على القرار الأميركي فيما يخص ذلك الجانب فقط، وأن باراك أوباما خشي أن تتسبب إثارة هذه القضية في التأثير على دعم أردوغان للسياسة الأميركية في سوريا.