لا تزال قوات الحرس الرئاسي تفرض حصارها على جامع الصالح، مانعة دخول الغذاء لحراسة الجامع، لليوم الثالث على التوالي، وسط سخرية واسعة في الأوساط السياسية والشعبية من الشائعات التي يروِّج لها (الإخوان المسلمون) كمبرر للحصار. هذا الحدث، وقبله اقتحام قناة «اليمن اليوم» ونهبها وإيقاف بثها، من قبل الحرس الرئاسي، وما رافق ذلك من شائعات، لم يكن ميولاً من دون مدلول، بقدر ما هو حلقة في سلسلة التحالف الوثيق بين الرئيس عبدربه منصور هادي وجماعة الإخوان المسلمين. ورغم محاولات الرئيس هادي، في فترات وبمواقف معينة، الظهور بغير ذلك، إلَّا أن مطالبه الملحَّة والمتناسلة، من سفراء العشر، إخراج الرئيس السابق علي عبدالله صالح خارج الوطن وإزاحته من رئاسة المؤتمر الشعبي العام، إنما هي تعبير عن واحدية المشروع والهدف للرئيس والإخوان. ولا يمكن للمراقب السياسي أن يفصل ما يحصل اليوم عن فصول الأزمة 2011م، بل هي فصل واحد لهدف واحد، يحلم به اللواء علي محسن الأحمر وجماعته ككل (الإخوان) قبل ممثلهم في الرئاسة هادي. وإذا كانت مبررات اقتحام القناة ساذجة، قد رُفعت على مزاعم بوجود مخطط انقلابي على خلفية إحراق إطارات في الشوارع من محتجين، فإن المبررات التي ساقها هؤلاء لحصار الجامع بأنه ثكنة عسكرية، هي الأخرى أكثر من ساذجة برأي سياسيين. يصطف (الإخوان) مع هادي على قاعدة الرغبة في إزاحة الرئيس السابق من المشهد السياسي، حيث تكمن مصالح (الإخوان) في التخلُّص من منافس سياسي قوي، فيما يتطلع الرئيس هادي لتنصيب نفسه رئيساً للمؤتمر. وسخر خطباء وأئمة جامع الصالح مما روَّجته وسائل إعلام حزبية من شائعات عن وجود قناصين في منارات الجامع وثكنات عسكرية في البدروم، داعين وسائل الإعلام إلى زيارة الجامع للاطلاع على كامل باحاته ومرافقه ونقل الحقيقة. وقال الشيخ شرف القليسي- أبرز خطباء جامع الصالح- في تصريح ل»اليمن اليوم» إن هذه الشائعات هي بضاعة المفلسين، وفي إطار محاولاتهم المكشوفة لمحو كل ما يمت بصلة إلى الرئيس السابق علي عبدالله صالح من منجزات، وكذا في إطار المقايضات التي يفرضونها على الرئيس عبدربه منصور هادي، وأنهم لن يسلموا، مثلاً، الفرقة الأولى مدرع مالم يتم سحب الجامع من صالح. وأضاف: خطاباتنا في جامع الصالح كلها مسجَّلة، وكلها دعوة إلى المحبة والسلام، وإعلاء مصلحة الوطن على المصالح الضيقة، ولكن المفلسين الذين يفتقرون إلى مواجهة الحجة بالحجة يلجأون إلى مثل هذه الشائعات والمحاولات الحاقدة والرامية إلى طمس هذا الصرح والمعلم الديني والتاريخي، جامع الصالح. واعتبر القليسي حجم الشائعات «دليل حقد على المكانة التي وصل إليها الصالح وكل من يمت إليه بصلة». وقال: إذا أراد هؤلاء محو كل شيء ذات صلة بالرئيس صالح، من منجزات فليمحوا كل البنى التحتية التي لم يضيفوا إليها شيئاً خلال الثلاث السنوات الماضية. وتساءل القليسي: «هل قضينا على الإرهاب؟، هل أمَّنا حاجات الناس من السلع الضرورية؟، هل عملنا حلاً لأزمة المشتقات النفطية، ووضعنا حداً لانقطاع التيار الكهربائي؟، هل وفرنا الغاز المنزلي؟،... هل وهل ....؟، حتى لم يصبح لدينا في اليمن من مشكلة سوى (جامع الصالح)». من جهته، قال الشيخ موسى المعافى في تصريح ل»اليمن اليوم»: جامع الصالح معلم ديني وتاريخي عظيم ومنبع للوسطية والاعتدال، ولم ولن يكون يوماً مبعثاً لإقلاق الأمن والسكينة أو فقاسة للإرهاب. وأضاف: منتسبو جامع الصالح والمتخرجون من كليته الشرعية ليسوا انقلابيين ولن يكونوا، لأنهم مع ولي الأمر، حفظه الله، ولم يكن موقفهم أثناء الأزمة 2011م مع الرئيس علي عبدالله صالح لشخصه، وإنما معه كولي الأمر، وعندما انتقلت الرئاسة إلى عبدربه منصور هادي فهم حتماً مع الرئيس هادي، ليس لشخصه وإنما لكونه ولي الأمر. وتابع: لن ننكر يا فخامة الرئيس أننا وقفنا وبقوة مع الرئيس السابق الزعيم علي عبدالله صالح، وأننا نحبه وسنظل نحبه ما حيينا، إلَّا أن هذا لا يعني إطلاقاً أننا في جامع الصالح قد ننحرف عن النهج والمبدأ الذي بني عليه هذا الجامع الشامخ، بل أن الزعيم علي عبدالله صالح، حفظه الله، عندما التقى بجميع خطباء الجامع قبل شهر من الآن، حثنا على التمسك بالوسطية وعدم التحريض على العنف، بل وأن علينا نبذه. واستغرب الشيخ المعافى أن يتم فرض حصار على الجامع من قبل الحرس الرئاسي بذريعة أو بشائعات وجود أسلحة وتحريض للانقلاب، في حين تتغاضى القيادة السياسية عن فقاسات الإرهاب الموجودة في العاصمة صنعاء والتي يعرفها الجميع. وأضاف: «يا فخامة الرئيس، الانقلابيون وحدهم هم من يستطيعون صناعة الكذب والزور والبهتان والافتراء على الآخرين، وهم من قد ينقلبون عليك»، مشيراً إلى أن فقاسات الإرهاب معروفة، مساجد مهامها تربية نشء مغسول الأدمغة، يرى الكذب صدقاً، والحرام حلالاً، واستباحة وإراقة الدماء قربى إلى الله، وهذه المساجد تتلقى دعماً كبيراً من الداخل والخارج، في حين أننا يا فخامة الرئيس في جامع الصالح بدون مرتبات منذ أشهر بعد أن تم فرض حصار مادي ومعنوي على الجامع قبل أن نفاجأ بحصار عسكري. وفي السياق، نصح الشيخ غمدان الزنداني رئيسَ الجمهورية عبدربه منصور هادي، بعدم الانجرار إلى حيث تريد له جماعة الإخوان المسلمين أن يكون ساخراً هو الآخر من شائعات وجود أسلحة في جامع الصالح. وقال الزنداني ل»اليمن اليوم»: الإخوان المسلمون أو ما يسمُّون عندنا حزب الإصلاح، محض شر، لديهم مخطط ماسوني، ولا غرابة أن نراهم يروجون بكثافة لمسألة وجود أسلحة في جامع الصالح. وأضاف: الإخوان يريدون وبخبث أن يحدثوا شرخاً بين ولي الأمر، حفظه الله، الرئيس عبدربه منصور هادي، وحزبه المؤتمر الشعبي العام، فإذا ما انتهوا من ذلك وحصل الخلاف انفردوا بولي الأمر لوحدهم، فإن أطاعهم وسار معهم إلى حيث يريدون استمر في الحكم وهو رجل المرحلة وصمام الأمان، وإن خالفهم لما فيه صالح الوطن انقلبوا عليه وكبَّلوه، وقد أصبح لقمة سائغة.