لن تجد إرهابياً أشعثَ أو أغبرَأو هزيلاً، إنهم ينفقون بسخاء على أنفسهم، وعلى أسلحتهم، وعلى العمليات والأنشطة الخاصة..ويتكئون على أرصدة ضخمة من العملات المحلية والصعبة.. الإرهاب ظاهرة رأسمالية، بدءاًبمنظمة القاعدة التي تأسست على يد "أسامة بن لادن"، الملياردير الشهير الذيلم يستند على ثروات أبيه الطائلة، بل على أموال المساعدات والتبرعات الخيرية للقضيةالأفغانية. ملايينالقتلى والجرحى والمعاقين والمشردين والفقراء الأفغان كانوا الحصيلة النهائية لهذهالتبرعات الخيرية، التي تمثل عصب الحياة للمنظمات الإرهابية في أفغانستان، وفي كل مكان.نعم، يعتمد اقتصاد الإرهاب على التجارة بالمهربات والممنوعات والمخدرات، وممارسة الابتزاز،بالرهائن، والسطو على المصارف والبنوك، كما في "غزوة ذات المصارف" التي قامتبها قاعدة اليمن مؤخراً في سيئون.. لكن تمويل الإرهاب يعتمد بشكل حاسم على ما يتم جمعهتحت عناوين خيرية وفي مواسم التبرعات، وما تضخُّه المنظمات الخيرية إلى خزينته من أموالدُفعت أساساً بحسن نيَّة كزكاة أو صدقات أو تبرعات للأعمال الخيرية. قد لا يعلم المتصدقأنه يتصدَّق على القاعدة، ولا دافع الزكاة أنه يدفعها إلى خزينة الإرهاب، لكن علاقةالإرهاب بالتبرعات الخيرية لم تعد محلاً للجدل، بل ظاهرة أمنية دولية، تتجسد تداعياتهاالكارثية على الدين والسياسة والحياة، وهددت حتى العمل الخيري نفسه.. لقد باتكثير من فاعلي الخير يعرفون أن ما قد ينفقونه لوجه الله في الأعمال الخيرية، قد يذهبمباشرة إلى جيوب الشياطين، ويتسبب بالكثير من المآسي والجرائم، وباتوا يترددون ويحرصونكثيراً قبل تبرعهم بأي مبلغ، لأيّة جهة لا تخضع لرقابة الدولة أو تابعة لها!. الإرهابيونيمنعون الماعون، فلو علم فاعل خير أن تصدّقه لكفالة يتيم، قد يتسبَّب في تيتيم عشرةأطفال، وتبرعه لإيواء لاجئين، قد يتسبَّب في تشريد آخرين، وزكاته لصالح فلسطين ستدمرسوريا.. لأعاد النظر في العمل الخيري برمته. لو علم فاعل الخير أن رحمتهتجاه الفقراء، وشفقته على الجائعين، وحدبه على المعاقين والمنكوبين والمحتاجين تُستغَلبشكل قذر وانتهازي من قبل الجمعيات المشبوهة، وخطباء الدين السياسي، ومرجعيات الفتن،وتصبُّ لدعم الإرهاب، ونشر الخوف والفساد والقتل في الأرض، لتوقف عن فعل الخير، واعتبرمشاعره الرحيمة ونواياه الحسنة، واستعداداته البريئة للمساهمة في نشر الخير، نوعاًمن الغفلة، ونظر إليها باستهجان.