مضامين بيانات الإدانة التي تصدر بعد كل عمل إرهابي من قبل الأحزاب والإطارات المختلفة لا تحمل جديداً، ولم تعد تشدُّ إليها الرأي العام، باعتبارها باتت حالة إسقاط واجب كي لا يقال إن الجهة الفلانية لم تُدن الإرهاب. وباعتبار أن الإرهاب آفة كبرى ستهلك الجميع دون استثناء فإن المواقف المعلنة إزاءه مازالت هزيلة وضعيفة، إن لم تكن هي أحد الأسباب الرئيسية التي تهيئ للإرهاب وعناصره رفع وتيرة نشاطهم الإرهابي الكارثي ومواصلة عبثهم أينما شاؤوا وكيفما يريدون. ولعل أبرز ما يهيئ للإرهاب المناخات المواتية لمزيد من التدمير والفتك بالمجتمع هو ما نراه اليوم من انعدام للشفافية الكاملة في كل ما يُعلَن من جهود تستهدف القضاء عليه أو احتواءه، إضافة إلى أنه بات يمثل للأسف الشديد مادة خصبة للمزايدة السياسية، مثل تبادل الاتهامات بين قوى وأخرى، وما يقوم به نفس الوقت الإعلام من تضليل في أوساط الجماهير وإلى درجة تشكل قتامة في المشهد يستحيل من خلالها فك خيوط الإرهاب التي تزداد بفضل هذه المزايدات تعقيداً تضيف أعباء أكبر على الوطن. وإذا كانت البيانات السياسية المنددة بالإرهاب جزءاً من المشكلة ومبعث حزن وأسى لدى الرأي العام الذي مازال ينتظر من الأحزاب والتنظيمات السياسية مواقف تتجاوز بكثير مضامين بياناتها الباهتة، وذلك لتقديم رؤى واضحة وجلية تحدد بدقة متناهية الطريق الأمثل للقضاء على الإرهاب وتداعياته الخطيرة، فإن تحقيق ذلك ووفقاً للمعطيات الراهنة أمر غير ممكن في ظل حالة الشحن السياسي القذر الذي أصاب العلاقات الحيوية وأصابها بشلل ذريع جعلها عاجزة عن التعامل مع القضايا الوطنية بروح وطنية عالية تتمتع بدرجة من الشفافية والوضوح مع كل القضايا التي تهدد الأمن والاستقرار للوطن وتعرض مصالحه العليا للخطر. وإذا كان الحادث الإرهابي الأخير المتمثل في مذبحة حوطة حضرموت، والذي قامت العناصر الإرهابية بأفظع ممارساتها الإرهابية التي يندى لها الجبين لم تمر في إطار من الشفافية، ولحقت غيرها من العمليات الإرهابية بنفس أجواء المناكفة والمزايدة ومحاولات تشتيت الرأي العام وإخراجه من فظاعة الجرم وإشغاله بإرهاصات وتداعيات المذبحة في البحث العبثي عمَّن يقف وراء هذا العمل البشع.. فإنه ووفقاً لهذه العبثية نستطيع القول إن القادم على صعيد العمل الإرهابي سيكون أفظع وأكثر، خاصة وأن عناصر الإرهاب هي المستفيدة من هذا العبث في الرؤى والمواقف المشتتة والغارقة في مستنقع المزايدة. ولا ريب أن هذه المواقف الهزيلة قد شجعت عناصر القاعدة التي ارتكبت المذبحة بحوطة حضرموت أن تقوم بتصوير نفسها وتكشف عن وجوهها بكل ثقة وحرية، غير عابئة بالمطاردة والملاحقة. وكأنها تقوم بممارسة الصيد المشروع. وفي ذلك أكبر تحدٍّ للسلطات، بل ولكل فعاليات المجتمع. كل ذلك لا ريب يتطلب على وجه السرعة القيام باعتماد الشفافية الكاملة إزاء كل ما تقوم به السلطة من دور في مواجهة الإرهاب، وإلى جعل الإعلام نافذة مهمة في تقديم كافة الحقائق المرتبطة بالإرهاب، ووضع حد لحالة التجهيل التي تمارس يستفيد منها الإرهاب دون غيره. وإزاء ذلك لا بد من وجود استراتيجية جديدة للحرب على الإرهاب تعتمد أيضاً على المشاركة الشعبية الواسعة الكفيلة بصبّ مختلف الجهات في بوتقة واحدة تنتصر لمتطلبات دحر الإرهاب ووضع حد لتداعياته وإرهاصاته الخطيرة، قبل أن يستفحل ويجعل من القضاء عليه غير ممكن، وسيذهب الوطن عندها أدراج الرياح.. كما أن على الأحزاب مسئولية أكبر في بلورة هذا الطموح الكبير والمنقذ للوطن، وعليها أن تدرك أن بياناتها الباهتة أصبحت مرفوضة وعاجزة كل العجز من أن تجد من يتفاعل معها وبأنها باتت مصدراً للسخرية والاستهجان لدى الرأي العام الذي أصبح اليوم أكثر من أي وقت مضى يأمل منها القيام، وعلى وجه السرعة، بتشكيل مشهد جديد.