الساعة التاسعة، من مساء الخميس الماضي، كنت أنتظر تسجيل شهادتي على حدث غريب ومثير. تخيَّلت الناس يصعدون إلى أجبية البيوت، يطلُّون من شرفات العمارات، يخرجون رؤوسهم من الحافلات والسيارات كي يرددوا الصرخة، يتوقف المخزنون- في خيمة عرس أو ديوان شيخ أو في جلسة أصدقاء- عن مضغ القات ليصرخوا من النوافذ أو في الهواء الطلق. يضع الجراح مشرطه والحلاق شفرته، ويترك البائع محله، قائلاً لزبائنه: "لحظة، أخرج أصرخ وأرجع لكم". فكرة مثيرة، لكنها غبية. أولاً: لأنها تضع الكثير من الناس أمام حقيقة التناقض بين (ثورة شعب) و(شعار جماعة).. ثانياً: لأن الصراخ بتلك الطريقة جعل الصرخة والجماعة، وحتى ما تسميه (ثورة) موضع تندُّر تسابقت إليه الألسنة والأقلام. نحن في القرن الحادي والعشرين، في عصر الإنترنت والفضائيات، نحن في مدينة مزدحمة وغارقة في الضوضاء، ولسنا في الأدغال، حيث نسمع أصوات الجداجد، وغرغرة البطون الخاوية، وحيث يمكن سماع تنفُّس الأسد المتخم وفريسته تطارده في المنام!! ثم إن هذه الفكرة كانت- من وجهة نظري- كاشفة لمنحى التقليد الجاد الذي تسلكه الجماعة، وهي تضع الثورة الإسلامية في إيران مثالاً لها، وتحاول أن تعيد استنساخه، متجاهلة اختلاف الزمان والمكان والظروف، ومتناسية أن أكبر تهمة موجهة للجماعة هي الارتباط بإيران والحرس الثوري. لم يكتف الحوثيون بتبني (شعار الخميني) حتى تبنَّوا خطواته التصعيدية التي زعزعت عرش الشاه، لكنها لم تُخِف كلاب الشوارع التي كانت الساعة التاسعة نائمة تحت سياراتنا. صرخة الساعة التاسعة ،كانت- بالنسبة لي- مقياساً لمدى التزام الحوثيين بالأوامر العليا، هل ينفذونها بحذافيرها من دون تفكير؟ هل أصبحوا قطيعاً يوجهه الراعي أينما أراد، أو أن عقولهم لا تزال تعمل، ولا تزال قادرة على التمييز بين الصح والخطأ؟! الساعة التاسعة، لم أسمع في غابتنا الموحشة، سوى همس القمر، وزقزقة العصفور في الهاتف، مع كلِّ إشعار يصل أو رسالة تجد طريقها إليَّ. إنه لمحزن جداً أن صراخ الثوار في طهران استغرق خمسة وثلاثين عاماً حتى وصل إلى صنعاء، متجاوزاً مياه الخليج، ومتسلِّلاً عبر حدود أكثر من دولة. 35 عاماً ويظهر الصدى؟! إلا أن مستوى تجاوب الحوثيين مع الفكرة كان ضئيلاً جداً، بل إن منهم من عبَّر عن رفضه للتقليد الأعمى وقلَّل من فاعلية الخطوة، وأدرك أثرها السلبي. إذن، فالأمل موجود بأن تخضع كلُّ القرارات للمراجعة والتقييم، كيلا يتحوَّل البشر الذين ميَّزهم الله بالعقل إلى (إخوان) يتم تجييشهم لفعل أيِّ شيء، أياً كان!! لا تحوِّلونا إلى ذئاب في غابة الليل. لا تحوِّلوا الوطن إلى غابة!!