الأمر في اليمن غريب، بل وغريب جدا وغرابته تأتي من أن الجميع يضغطون على من ليس بيده التنازل من أجل التنازل، ويشجعون الطرف الذي بيده التنازل على عدم التنازل.... كيف؟ بيد هادي -لا بيد أنصار الله- أن يلغي الجرعة ويقيل الحكومة ويبدأ في تنفيذ مخرجات الحوار، وبذلك تنتهي الأزمة وترفع المخيمات وتجنب الوطن ويلات الصراعات والحروب القائمة والمحتملة في ظل استمرار هذه الوضع البائس نفسه! لكن الجميع في الداخل والخارج يضغطون على أنصار الله بضرورة التخلي عن مطالب المحتجين، وحجتهم في ذلك أن تخليهم عن تلك المطالب أو الانتقاص منها سيسهم في انفراج الأزمة وتجنيب البلاد ويلات الحروب والصراع... الخ مع أنهم يدركون تماما بأن أنصار الله لا يملكون قرار التخلي عن مطالب المحتجين ومن الصعب، إذا لم نقل من المستحيل أن يتخلى أغلب المحتجين عن مطالبهم، بقدر ما هو من الصعب أن يسهم أنصار الله والسيد عبدالملك الحوثي بالذات في خيانة هؤلاء المعتصمين، وبالتالي كشف ظهورهم وتعريضهم للقمع والتنكيل من قبل السلطة، لأن هذه هي النتيجة المتوقعة في حال رفض المحتجين التخلي عن مطالبهم وإصرار الدولة على إخلاء مخيمات اعتصاماتهم بالقوة مطمئنة إلا أن أنصار الله لن يتدخلوا في مثل صدام محتمل كهذا! أيها العقلاء ويا كل المتعيقلين، وأنتم يا من ارتفعت نسبة حبكم لليمن ولأمنها واستقرارها فجأة وبدون مقدمات وسواء كنتم في الداخل أو في الخارج، إذا كنتم كما تدعون تحبون اليمن وتخافون عليها من تفجر الحرب والصدام بين أبنائها فما عليكم إلا أن تضغطوا على الطرف الذي يمتلك ورقة التنازل لشعبه والاستجابة لمطالبه وإلا فأنتم كاذبون في حبكم وفي دعاواكم، وتجرون اليمن جرا إلى الصراع والعنف مرة بتشجيعكم لهادي على عدم الاستجابة لمطالب شعبه، ومرة بممارساتكم ضغوطا وتهديدات فارغة وغير مجدية على طرف لا يملك حق التخلي عن مطالب عموم اليمنيين. ومرة ثالثة باعتبار أنفسكم غير معنيين بمطالب الشعب الملحة والإجماعية وكأنكم من عالم آخر ولستم أيضا من اليمن ويهمكم أمر بلدكم وشعبكم! مرة أخرى من يحب اليمن ومن يود تجنيبها الصراع فما عليه إلا أن يتوجه بضغوطه باتجاه هادي والسلطة عموما، لأن هذا هو المكان الصحيح والمفيد للضغط. * من يسقط الحكومة يشكلها! الذين يسارعون إلى تشكيل الحكومة ويطرحون معايير للمحاصصة التي ثار الناس ضدها عليهم أولا أن يتفقوا على برنامج الحكومة والمدة التي ينبغي أن تحدد لها وفقا للمهام البرامجية المزمنة لها. المسألة ليست استبدال الوجوه يا أيها المتحذلقون في زمن الثورة. عليكم أن تعوا جيدا بأن هناك عاملا جديدا في تشكيل القرار السياسي اليمني وفي طريقة اتخاذه وفي تحديد هدفه وأبعاده. لم تعد مراكز النفوذ في عمران أو في السفارات أو في بلدان الجوار هي العامل الوحيد والحصري في التأثير على القرار اليمني. هناك الشعب اليوم هو العامل المهم في ذلك كله ومن أسقط الحكومة وسيسقط الجرعة هو من سيكون له التأثير الأكبر في معايير تشكيل الحكومة القادمة، بل السلطة القادمة برمتها.