أيا كان من يخوض حربا عسكرية، في الأمس واليوم والغد، فإنه يخوض حربه الخاصة به، وحسب ما تقتضيه وتمليه مصالحه السياسية والمادية والنفسية والأخلاقية.. لا علاقة للأمر بالفضيلة ولا الدين ولا الشعب ولا الوطن.. ولا الانتصار للحقيقة ولا دحض الباطل وإنصاف المظلوم وردع الظلم.. إن الفضيلة والدين والمبادئ السامية، والشعوب والأوطان والحق.. ليست سوى مبررات وشعارات يشرعن بها المحارب حروبه الخاصة، ويكرسها كقيم يُقنع بها من يحارب بهم ويجيشهم كوقود لمعاركه. إن كثيراً ممن فجروا الحروب الصغيرة والكبيرة في مختلف مراحل التاريخ لم يحاربوا لإعلاء الفضيلة، ولا للدفاع عن الله، وليس لرغبة في سحق الشيطان.. بل إن الشيطان نفسه هو أحد أدواتهم ومبرراتهم لممارسة حروبهم الخاصة! لقد كان أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، أكثر صدقاً مع نفسه ومع جيشه وحتى مع خصومه عندما أقسم: ( والله لو منعوني عقال بعيرٍ كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم دونه). لم يقل لو لم يؤدوا صلاة أولم يصوموا!! لقد اقتتل علي ومعاوية وأكلت حروبهم عشرات الآلاف من المسلمين، وهم على دين واحد، وعقيدة واحدة، ويقيمون الصلاة، ويؤدون الزكاة، ويصومون رمضان، ويحجون إلى بيت الله!! لكنها المصالح والسلطة.. من تتوافر لديه القوة تبدأ شهية التوسع والاستيلاء والسيطرة تتحكم في نفسيته وتطغى على تفكيره وتدفعه ليخوض حربه.. ويزيح عن طريقه أي قوى تعيق طريقه في تحقيق مجده وتوسع خارطة نفوذه وتراكم مصالحه.. الوحدة اليمنية، بأبعادها القيمية والأخلاقية والمصلحة الشعبية.. لم تكن هي حيثيات خوض تحالف حرب 94 لتلك الحرب! إن حيثيات وأسباب اندلاع تلك الحرب قامت على الأنانية وبدافع إزاحة عوائق الاستيلاء والتوسع ووضع اليد على منابع المصلحة الشخصية لترويكا تلك الحرب. فلو كان الهدف الحفاظ على بقاء الوحدة لما قامت تلك الحرب أصلا، إنهم يرفعون الفضيلة شعاراً ويسحقونها تحت أقدام مصالحهم وأنانيتهم!