أشعر بالذنب!، سأشارك اليوم في جنازة "سيد الشهداء" وأصفع وجهي كما يفعل شيعة "الحسين" حين خانوه، فجعلوا يوم وفاته الكربلائية مساحة للعذاب من أجسادهم ودمائهم، سأندب حظي وأثقب ذراعي وأضرب رأسي المنحسر بسيف صدئ!. - هذا أنا.. أتألم كما يفعل الأبرياء! أحشو جسدي بين آلاف الكائنات المتوافدة إلى هناك حيث يسكن الدكتور النبيل محمد عبدالملك المتوكل في قبر صغير وهو الذي ملأ الدنيا على اتساعها، وشغل الناس على كثرتهم، كبيراً كوطن، وعظيماً ك"غاندي"، ثائراً كالرجال وحليماً كالأنبياء، لقد خلق "المهاتما" اليمني أسس المدنية التي دفع لأجلها دمه، وغسل به آثامنا وسخط نفوسنا، وكآبة وجوهنا. - كتبت عنه ذات يوم، في صفحة كاملة على هذه الصحيفة التي تعلمنا قيم مهنية الكتابة وبهاء الصحافة حين تنسج من وقائع الأرض لغة تشكك بوقود العنفوان القادم من "صعدة"، فهل يسامحني ذلك الراقد بهدوء مشدوه، وهو الوحيد الذي شاهد رصاصة قاتله، وعينيّ الوحش المتصلبتين تراقبه يسقط، ورأسه يدور في فراغ المكان.. ويرتطم برصيف اليأس.. ينداح دمه كماء الورد!. وتتجه إليه أيدي المسعفين.. فلا تكاد تعرف من الذي يموت، وكاتم الصوت يتسرب في شوارع العاصمة ليغتال حلمنا جميعاً.. كما اغتال الرئيس هدوء اليمن وسلام أرضها واستقرار عينيها! - يكتب "مدير مكتبه" بعمق حزين!، يكتب كما أفعل الآن، ولم أطق صبراً فعاجلته بتعليق حاد يدعوه لكفكفة الدمع والبحث عن حلول لمخارج الأسى المتوالد، ولأيام القضاء المستعجل، أناشده أن يخفف على "عزرائيل" مواعيد عمله المكثفة في بلد الرئيس الضعيف!. - محمد عبدالملك المتوكل مثل "مارسيل خليفة".. لا يجوز أن يموت!، فمن الذي سيغني قصص المقاومة وأشعار "درويش" وسلام "الحسيني" وبكائية "شادي"، من الذي سيثير فينا حماس "الرجولة" الباردة!، من سيوقظ فينا وطناً كامناً بين أضلعنا؟ هل يمكن لفلسطين أن تتنفس بدون "مارسيل"!، هل يمكن لصباحها الزيتوني ألا يلتقي صداه بصوت "محمود درويش" يصرخ في وجه العدو "سجل أنا عربي"!، وذاك هو "المتوكل" يموت وتصرخ السماء "ماذا تبقى لكم".. ولن يجيب أحد! - لقد رحل "محمد عبدالملك المتوكل" كما رحل "غاندي" فأسهم دمه الأخير في تكوين "الهند" التي نراها اليوم مشروعاً منطلقاً للحلم والمستقبل والسلام وتكنولوجيا الحداثة بعد أن كانت تحرق بعضها بطوائف الموت وأديان الخراب، مات "غاندي اليمني" كما يموت الأنبياء.. وليس لي سبيل الآن سوى الدعوة لتأسيس "تمثال" كبير لسيد "شهداء" اليمن وفيلسوفها وبسيطها وجميلها الذي ما غضب يوماً.. وما عرف الجميع عنه سوى ابتسامة "اليمن السعيد".. وقد مات "السعيد" وبقي "اليمن".. وأخشى أن يكون الإيمان مقتولاً. وأن تظهر الحكمة أيضاً مضرجة بدم بارد.. فينهار كل شيء حتى صفات النبوة التي حملناها بفخر لقرون عديدة، نذبحها اليوم بأيدينا وننكر مرة أخرى أننا "يمانيون" وأننا لأهلنا محبون.