إن معاناة إنسان واحد تؤذينا جميعاً.. وبهجة إنسان واحد تجعلنا جميعنا نبتسم.. قرأت هذه العبارة ذات يوم في كتاب "قواعد العشق الأربعون"، رواية عن جلال الدين الرومي، للكاتبة التركية "إليف شفق".. قرأتُ هذا حال انتهائي من قراءة خبر مصوَّر لرجل صومالي مات من البرد، فأغلقتُ الكتاب بعد أن شوَّشت الصورة كلَّ صفاء، وأطفأت كلَّ رغبة في القراءة والكتابة والنوم. كانت الصورة تحكي ألف عام من المرارة والقهر والحاجة.. مات هذا الرجل وبجواره بيوت كثيرة فيها من البطانيات ما يكفي لتبديد دهر كامل من الشتاء.. والحقيقة هي أن هذا الرجل لم يمت، بل أهل الخير هم الذين ماتوا. مات من البرد، وهو يتأمل البيوت التي تحيط به، ويعرف أن خلف هذه النوافذ المضاءة أناساً هانئين بحياتهم ومتحلِّقين حول أُسرهم.. ويوقن أن خلف واجهات هذه البيوت موائد عشاء دافئة سيتبقَّى منها الكثير وسيُرمى في القمامة، دون أن يحسَّ بجوعه أحد. أين الجمعيات الخيرية التي تلاحقنا برسائلها على الموبايل، حتى ونحن خارج نطاق التغطية.. أين أهل الخير.. وأين الدولة.. أين الإنسان في هذا الزمن المتوحش.. أين الإيمان الذي ربطه النبي عليه وآله الصلاة والسلام، بهذه الحالات، حين قال: والله لا يؤمن- وكررها ثلاثاً- قالوا مَنْ يا رسول الله؟ قال: من بات شبعاناً وجاره جائع. في هذه الأيام الباردة تكون البطانية كفيلة بإنقاذ حياة إنسان.. وبإمكان كلُّ تاجر وكلُّ ميسور أن يتبرَّع ببطانية لتمتلئ بيوت الفقراء دفئاً وحياة.. وهناك تجار يمتلكون مخازن من الملابس القديمة التي أصبحت موضة قديمة، لكنها ستكون بمثابة فرحة كبيرة عند من لا يجد ما يلبسه ليواجه قسوة البرد.. فهل يفعلون؟