لم تكن البلاد على سُرر مرفوعة لنقول إنها صارت في الهاوية، ولم تكن الدولة موجودة لنقول إن فراغاً ما سيحدث. كنا نغالط أنفسنا برئيس لم يترك لنفسه أو لشعبه ذرة كرامة، واستقالته ستجعلنا نرى الواقع أكثر ونخفف من عدم تقبل الحقيقة التي نعرفها جميعاً، وهي أن وجود هادي على كرسي الرئاسة يعقِّد المشكلة أكثر مما يحلها، لاسيما وقد حولها إلى سمسرة للمداراة. كان يجب عليه أن يقدِّمها سابقاً حين عجز عن استكمال مهام المرحلة الانتقالية، وقد كان ذلك أولى له وللبلد من الوقوف في هذا الموقف الصعب. لست هنا بغرض سرد إخفاقاته أو استعراض كبواته، فما هو قادم أهم بكثير من الحديث عن الماضي، والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم أولى بالإجابة. لقد سقطت الكثير من الأقنعة والوجوه في المرحلة السابقة، وتجلت الكثير من الحقائق، ونحن الآن أمام مفترق طرق، فإما أن نتعامل مع هذه الحقائق كما تعاملنا مع ما قبلها بمنطق التعصب والتخندق في مربع الأنا، أو أن نعقلها ونبني على ضوئها اليمن الجديد. من هذه الحقائق أن الأمور ليست هزلية لنتعامل معها بالدعابة أو (النكتة) على وسائل التواصل الاجتماعي، فالأجواء المحيطة بنا حقيقية، والأرض التي تشرب كل يوم قِرباً من الدماء هي أرض اليمن، وأعلام التشطير والنزعات الطائفية والمناطقية ليست في مسلسل تركي ولكن في وطن كنا نغني أناشيد وحدته بفخر. علينا أن نعلم أن إيماننا بأن الحروب والصراعات السياسية ليست في صالح أحد لا يُجدي ما دمنا نحن طبولها.. كذلك أن نعرف أن هؤلاء المثقفين والمتباكين على الوطن الآن هم جزء من المشكلة باعتكافهم في غُرف التنظير وتركهم عامة الشعب لقمة سائغة للانتهازيين. وعلينا أن ندرك أن لعننا لخنوع الشعب أو عاطفيته لا يعني أننا أصبحنا خارج المسؤولية، فليس الشعب سوى أنا وأنت ونحن وأنتم، وإذا كنا قد اتفقنا أننا لن نعيش كناس إلا عندما يستيقظ الشعب فأولى بنا أن نستيقظ أولاً ثم ننشر رسالة الاستيقاظ. كثيرة هي الحقائق التي يجب أن نعقلها- كشعب غاب عنه الحسُّ الوطني- وأن نسير على ضوئها لعل نافذة للنور تتبيَّن لنا وسط حلكة نفق مظلم.