حسناً، سنقول الحقيقة الماثلة لا الغائبة: إننا نعيش في عالم أقل ما يوصف بأنه عالم بلا ضمير، بلا أخلاق، بلا إنسانية، بلا قيم. كمٌ هائلٌ من الدول التي تدعي التحضر والتقدم، وكمٌ هائل أيضاً من المنظمات والمؤسسات الدولية، التي تدعي الاهتمام بالإنسان وحقوقه وحرياته، وأنها تقف ضد ما يتعرض له من جرائم وانتهاكات. لكننا لا ندري حين تتعرض الشعوب المستضعفة والفقيرة للقتل والتنكيل، في أي واد سحيق يسقط تحضر تلك الدول وعلمها وتقدمها؟!. وفي أي بئر عميقة تخنق أحاديث وادعاءات وأصوات تلك المنظمات المنفرة والمشبوهة؟!. ثمة شعب ضعيف وفقير يتعرض اليوم بأكمله للحصار والموت والإبادة. وثمة جرائم وانتهاكات تحدث أمام سمع وبصر العالم، وتخالف كل سنن وقوانين الدنيا الإلهية والوضعية. ومع كل هذا، يغض العالم طرفه، ويغلق فمه، وكأن ما يحدث لا يعنيه مطلقاً، أو أنه يجري خارج حدوده؟!. نعم، إنه شعب بأكمله يواجه أحدث آلات الموت والتعذيب، دون ذنب ارتكبه، سوى أنه أراد أن يتنفس هواء الحرية، وينزع لباس العبودية والارتهان، ويصوم عن استهلاك المخططات الجاهزة، إلا أن المستبدين بأموالهم، والمغرورين بعتادهم المتطور والحديث، كانوا له بالمرصاد، فجيشوا ضده الجيوش، وحاصروه وقتلوا أبناءه، بتهمة أنه شذ عن الطريق، ورغب في تغيير نواميس الزمن. وأن الله قد أمرهم بتأديبه وإعادته إلى جادة الصواب، فسارعوا إلى إغلاق أبواب العالم ونوافذه. مقابل حفنة من المال، فنَصَتَ لهم هذا العالم الرخيص والحقير، وأطاعهم، وكأنه لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم. هكذا، هو عالمنا المادي والوحشي، أغراه المال، فصمت وأشاح بوجهه عن شعب تفترسه الذئاب، بأنياب من حديد ونار. ذئاب لا يعنيها بنو الإنسان في شيء، سواء تمزقت لحومهم، أو دفنت أجسادهم تحت الأنقاض، أو ظلوا شهورا وأعواماً بلا مأوى ولا غذاء ولا ماء ولا دواء. إنه عالم الفضيحة، الذي يكذب ليل نهار في وسائل الإعلام، ويزايد بمؤسساته ومنظماته الحقوقية والإنسانية، وخاصة العالم الغربي، الذي يحتكر الحديث عن الحريات والحقوق والإنسانية، ولكنه حديث الهيمنة وتهديد الضعيف بمخالفة القوانين وانتهاك قيم الحياة. أي إنه اتخذ من هذه المؤسسات الزائفة وسيلة لمعاقبة الشاذين عن رغباته وخططه وطرقه. مع أن الحقيقة تقول إن المشكلات الأساسية في هذا العالم تولد من رحم هذه المؤسسات؛ لارتباطها بالأجهزة السرية، الاستخباراتية والاستعمارية للدول البرجوازية، التي تتحكم في مصائر شعوب العالم. وتتخذها أساسا لتأكيد شرعية نفوذها وهيمنتها، ومواجهة أي تطور ثقافي أو سياسي أو اقتصادي أو علمي في أية دولة من دول العالم الثالث، من خلال إغراقها فيأتون بالحروب والمجاعات والأمراض والديون. إنه عالم زائف بامتياز، وإلا كيف نفسر هذا الصمت القبيح أمام العدوان الهمجي على الشعب اليمني، وقتله وتشريده وحصاره وتدمير بنيته التحتية تدميراً كلياً؟!. فلم نعد نسمع بمواثيق حقوق الإنسان، ولا معاهدات دولية، ولا محكمة الجنايات الدولية، جمعيها تبخر أو تناول عقاقير مخدرة أفقدته الوعي، وألزمته السكوت. بل إن ما يحدث اليوم في الأممالمتحدة مهزلة كبرى واستخفاف بعقول ومشاعر العالم، فأقصى ما فعلته أن جمعت الأطراف الداخلية المتناحرة في اليمن للمشاورة، دون أن تنطق بكلمة واحدة، في حق المجازر التي يرتكبها العدوان الخارجي في حق اليمنيين، فهو يقتل بصواريخه وقنابله المحرمة دوليا الأطفال والنساء، ويحاصر الشعب اليمني كله، ويمنع عنه أساسيات الحياة، ويدمر البيوت والمؤسسات والجامعات والطرقات والآثار التاريخية والتراثية. إنه عالم قبيح يأكل القوي فيه الضعيف، ويستعبد الغني فيه الفقير. عالم حقير ورخيص حقاً.