بدءاً من يوم الجمعة نستطيع توثيق التاريخ على اعتبار أنه الموعد الذي بدأ أذناب آل سعود فيه تنفيذ جرائمهم ومخططاتهم وفق الطقوس المتعارف عليها التي جرى تنفيذها في غالبية مناطق اليمن، إلا أنهم بدءاً من الجمعة دشنوا أولى جرائم القتل في وادي حضرموت باغتيال الحبيب حسين عبدالباري العيدروس، بمنطقة الحوطة بمديرية شبام حضرموت، والمذكور إمام مسجد وعاقل منطقة ومنصب آل العيدروس في حوطة أحمد بن زين الحِبشي ((صبراً على الأحداث آل مُحَمَّدٍ فالصبر شيمة كل حر أروع إن غاب نجمٌ هاشميٌ أو خبت أضواؤه قبل اكتمال المطلع فلكل أفق أنجمٌ سيارةٌ تخبو أشعتها عن المتطلع)). والشهيد حسين عبدالباري العيدروس، رحمه الله، صديق عزيز وزميل دراسة في كلية الشريعة بجامعة الأحقاف تعرفت عليه بداية عام 2000م، إذ كان من أوائل من تعرفت عليهم في تريم حضرموت. وخلافاً لكثير من الزملاء الذين كانوا يتعاملون بحذر مع أي طالب من المناطق الشمالية كان الشهيد يتعامل بانفتاح وإيجابية وثقة.. ونظراً لأن ابن خالي علي العيدروس كان من دفعته وصديقه الحميم كنت أستشعر على الدوام اهتمامه وعنايته ونصائحه، كونه كان في آخر سنة جامعية وأنا في أول مستوى جامعي، وظل التواصل به حتى أكملت الدراسة الجامعية.. والشهيد كان دخوله الكلية ضمن مجموعة معلمين فرغهم مكتب التربية في سيئون للتأهيل، فكانت بمثابة فرصة لهم ليتخففوا من عناء التدريس وللتأهل لمستويات أعلى، ورغبة في الحصول على فرص في مجالات أخرى.. كنت أشبهه بأسامة بن لادن نظراً لهيئته بتلك اللحية الطويلة، وكان الشهيد صاحب حس فكاهي ومتطلعاً وجريئاً، ولديه حماس للتحرك مع الجماهير وإلقاء الخطابات خاصة في القضايا المتعلقة بالأمة كفلسطين وما إليها.. أقمنا ذات مرة فعالية تضامناً مع إخواننا في فلسطين وكنا سوياً طوال الوقت إلى قبل طلوعه المنصة ففوجئت بخطابه الذي ألقاه دون إعداد وتحضير وتوجهه بمطالب جريئة من السلطة اليمنية بتنفيذ عدد من المطالب التي ستترجم موقفنا الشعبي والمتضامن مع الشعب الفلسطيني.. وبالنظر لقدراته هُضم الشهيد كثيراً في حياته، وخذله الكثير من المسئولين، مقارنة بعدد من زملائه في الجامعة والذين تولوا إدارات عامة، وبعضهم وصل لمنصب وزير أوقاف.. وطوال السنوات الماضية رغم محاولات التهميش التي واجهها إلا أن الشهيد ظل حاضراً بقوة وسط مجتمعه بوادي حضرموت، وفي كل الأحداث التي مرت كان له دور مشارك وفاعل وبارز.. مضت السنون والأعوام لأفاجأ قبل سنتين بمشاركته بمناسبة المولد النبوي في صنعاء بملعب الثورة وإلقائه كلمة نيابة عن علماء حضرموت، أتذكر أنه في كلمته ركز على أن المشاركين بالمناسبة في هتافهم لبيك يا رسول الله يقصدون لبيك يا رب رسول الله.. فقلت في نفسي الحبيب حسين شارك معنا وما زال هاجس الجماعات التكفيرية في رأسه ويحاول أن يقطع عليهم الطريق في أي دعاوى يمكن أن يدخلوا علينا بها!!. وفي ذكرى المولد النبوي هذا العام حضر أيضاً في حديقة 21 سبتمبر وألقى كلمة ابتدأ فيها بالترضية على صحابة رسول الله ومن ثم آل بيته وزوجاته أمهات المؤمنين التي أشار لهن بالاسم.. تواصلت به بعد المناسبة، وضمن ما ذكرته له قلت ما الداعي في كلمتك لابتداعك تقديم الصحابة على آل البيت بعد الصلاة على رسول الله، وهذا ما لم يقله أحد من قبلك، فالصلاة على رسول الله الكل يتبعها الآل كما أمُرنا بالحديث النبوي، ومن ثم عندنا أهل السنة سواء معشر الشافعية أو غيرهم نضيف أصحاب رسول الله بالإطلاق، فيما إخواننا الزيدية يخصصونها بالصحابة المنتجبين أو الراشدين، وهي أمور معلومة ومعروفة للجميع لسنا بحاجة للمجاملة أو المداراة فيها وأوردت له ملاطفة: ((تصرفت يا حبيب حسين كما تصرف الرئيس محمد مرسي أثناء حكمه حينما زار إيران مشاركاً في مؤتمر للدول الإسلامية وبحضور الرئيس الإيراني، من أجل إرضاء السعودية وتحاشياً لغضبها منه قام في بداية كلمته بالترضية على الأربعة الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم فرداً فرداً، وتناقلتها الجزيرة وغيرها من القنوات الإخبارية العربية وكأنه إنجاز وانتصار في ساحة من يتصورون بقصر نظراتهم خصوم لذلك المعتقد، فيما جمهورية إيران الإسلامية كانت قد ذهبت إلى أبعد من تلك القضية التي حسمها الأمام الخميني سابقاً بتحريم التعرض لصحابة رسول الله بأي إساءة، وهم رموز للمسلمين من أهل السنة والجماعة)).. حيث أن مرسي آنذاك لو تأمل وسط القاعة التي ظن أن ذكر الخلفاء الراشدين فيها سيزلزل عرش إيران وسيركعها أمام ممالك الخليج وسيُرضي عنه حكامها.. لو رفع رأسه قليلاً داخل القاعة للاحظ بعينه المجردة أن صور الإمام الخميني وحسن البناء وسيد قطب معلقة على رؤوس الأشهاد في جداريات القاعة، باعتبارهم أبرز القادة المجددين للإسلام سنة وشيعة)). رد على ملاحظتي الحبيب حسين، رحمه الله، ضاحكاً من تشبيهي له بمرسي، وأضاف أن ذلك مما جرى عليه سلفهم السادة آل باعلوي في حضرموت، وهو ما عليه اعتقاد مدرستهم وأن حرصه على تقديم الترضية على الصحابة قبل الآل أنه من باب درء الفتنة فقط لا غير.. الشاهد لا ترضية الرئيس المصري محمد مرسي عن الأربعة الخلفاء الراشدين في إيران تشفعت له عند آل سعود وأوقفت تآمرهم عليه وعلى الإخوان المسلمين بمصر.. ولا ترضية صديقي الشهيد عن الصحابة أجمعين شفعت له عند أذناب آل سعود التكفيريين. تم اغتيال الحبيب حسين في ثاني ليلة من ليالي رمضان، وهو خارج لأداء صلاة التراويح إماماً في مسجده من قبل ذات الأدوات التي ادعت أنها فجرت المساجد في صنعاء لأنهم يمنعون صلاة التراويح. فهدفهم استباحة دماء المسلمين كيفما كان هنا، بحجة أن هؤلاء يصلون التراويح ويقتلون هناك، بحجة أن أولئك لا يصلون التراويح. لم يسلم منهم أحد لا الذي يصلي ضاماً ولا الذي يصلي مرسلاً، الشاهد أنهم مستأجرون للقتل والإجرام من قبل دول العدوان السعودي الأمريكي التي تسعى لإبادة اليمن واليمنيين بأي عذر كان، سواء التراويح أو الصحابة أو حتى هادي أو بحاح أو رياض ياسين. فلا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل.