لما احتلت أمريكا وحلفاؤها الجمهورية العراقية استيقظ الصراع المذهبي، بعد أن كان خاملاً إبان النظام العلماني، وكان للوهابية الدور الأكبر في بعث هذا الصراع وتحويله إلى حالة حرب عامة داخلية، حيث جيَّشت الوهابية جيوشها إلى العراق لقتل الشيعة التي تصفهم بالمشركين الروافض والمتعاونين مع الاحتلال، وأدت الهجمات الانتحارية لجيوش الوهابية في البدء إلى تخلخل الاندماج السكاني، فصار للشيعة أحياء ومساجد خاصة بهم في بغداد، وللسنة أحياؤهم ومساجدهم، وهذا بدوه سهَّل للوهابيين القادمين من السعودية واليمن وبلدان أخرى عبر الأراضي السورية، سهَّل لهم استهداف الشيعة بقدر أكبر، بحكم أنهم قد تميزوا عن السنة، وتميز عنهم هؤلاء الأخيرون. في تلك الأثناء كان بعض اليمنيين الذين يتابعون أخبار الهجمات الوهابية على المساجد الشيعية، يقولون إن الحمد لله، فما استطاع الوهابيون فعله في العراق لا يستطيعون القيام به هنا في اليمن، لأن الزيود والشوافع يصلون في مسجد واحد، وينتظمون في الصفوف دون تمييز، وخلف إمام واحد، وهذا قد يكون شافعياً وقد يكون زيدياً، لا فرق.. وأذكر أني رددت على مثل هذه القول، وقلت إنه يصدر عن عواطف أو تفاؤل عاطفي، ولا أظن أصحابه مطَّلعون كفاية على الوهابية والجماعات الإرهابية التي تعتنق الوهابية.. فالوهابيون الذين يفجرون ويقتلون الشيعة في المساجد العراقية لديهم مبرر أعوج، وهو أن الشيعة روافض مشركون يسبون الصحابة، والوهابية موحدون أهل سنة وجماعة والفرقة الناجية.. هذه الجماعات الوهابية الإرهابية تعتبر الآخرين وفي مقدمتهم الشيعة مشركين كفار ضلال، وبالتالي قدماؤهم غير معصومة ولو صاموا وصلوا وطافوا بالبيت العتيق.. وقلنا: عندما ينتقل هؤلاء الإرهابيون إلى اليمن لن يعدموا المبرر، فسيرسلون المفخخين والانتحاريين إلى مساجد ليقتلوا المصلين الزيدية والشافعية معاً.. وها هم يفعلون هذا الآن، فمنذ مطلع شهر مارس الماضي وحتى السادس من هذا الشهر، أعدوا سبعة انتحاريين، وجهزوا أربع سيارات مفخخة، وأثقالاً من العبوات الناسفة ليستهدفوا المصلين في ثمانية مساجد في العاصمة وحدها، أولها المصلون في مسجد بدر، وآخرها المصلون في مسجد النور قبل ثلاثة أيام، وقتلوا في المساجد الثمانية وعند أبوابها أكثر من 190 مصلياً، وأصابوا أكثر من أربع مائة.. ثم بعد كل عملية إرهابية من هذه يخرج داعش، ليقول: استهدفنا الحوثيين الروافض، وهدفه الحقيقي هو الزيدية، وتصبح الحوثية أو الزيدية مبرراً، وإذا قلت لهم: قتلتم شوافع سنة لن يعدموا المبرر أيضاً، يقولون : نحن قد سبق أن نبَّهنا إخواننا أهل السنة إلى ضرورة تحاشي الاختلاط بالحوثيين الشيعة الروافض لأنهم أهداف مشروعة للتنظيم، ولكنهم أصروا على الاختلاط بالروافض في مساجدهم.. إن الوهابيين لا يعدمون الحيل ولا تعجزهم المبررات.