الدكتور/ سيف العسلي لا شك أن هناك منافسة كبيرة بين الذين يرغبون في الذهاب إلى الكويت من أجل المفاوضات أو النقاشات حول الأزمة اليمنية.. أقول لمن هم كذلك، إن كنتم تبحثون عن الاستضافة الفندقية في الكويت فقد تحصلون عليها. وإن كنتم تبحثون عن النجاة، فلن تحصلوا عليها. وإن بررتم ذلك بالمصلحة الوطنية، فإنكم في ضلال مبين. فقد جربتم كل ما تملكون، وما تدعون أنكم تملكون، والنتيجة بعد عام من عدم الشرعية فإن البلاد في خطر. اليمن يحتاج إلى قادة صادقين ومضحين وراغبين في إخراج اليمن من وضعه البئيس الحالي. وهذا الأمر يمكن مناقشته في الداخل ولا يحتاج لا إلى وساطة الكويت ولا مباركة السعودية. وحتى لا يُقال إني متجنٍ على أحد، فإنه لابد من توضيح الأسباب التي جعلتني أحكم عليهم بالضلال، وعلى الاجتماع بالفشل، حتى قبل أن يجتمعوا، وذلك للأسباب التالية.. وعلى القارئ الكريم أن يحكم بيني وبينهم: أولاً: إن كان هادي وحكومته شرعية، فإن تدخل السعودية وحلفائها قد يكون شرعياً، وفي هذه الحالة فإن على "أنصار الله" أن يعترفوا بأنهم انقلابيون، وأن عليهم أن ينفذوا قرار مجلس الأمن 2216 بدون قيد أو شرط، وأن يتحملوا كل النتائج التي ترتبت على انقلابهم. وهذا الأمر لا يحتاج مفاوضات ولا وعوداً كاذبة ولا تضليلاً. وإن كان هادي وحكومته غير شرعيين، وأنا أجزم بذلك، فإنه لا يحق التفاوض معه، لأن ذلك تناقض، ومن ثمّ فإن على هادي وحكومته والسعودية وحلفائها تحمل كامل المسئولية عن ما حدث من خراب وتدمير للاقتصاد والبنية التحتية، وأن يسعوا لنيل العفو والمسامحة من اليمنيين، وأن يتعهدوا بعدم تكرار ذلك. وهذا الأمر لا يحتاج إلى مفاوضات مع أي أحد. فيجب أولاً إيقاف الحرب ببعديها الداخلي والخارجي، والسماح للشعب اليمني بأن يقرر مصيره ويختار قيادته الشرعية الجديدة والتي ستتولى المفاوضات مع الجيران. ثانياً: على اللاهثين للاستضافة في الكويت، أن يدركوا أن الحرب في اليمن لم تكن ضرورية لو تصرفوا بطريقة أخرى. فلو كانوا سعوا أو حتى نادوا بضرورة الانتخابات، لما كانت الحرب ستحدث. لكن كل القوى السياسية تخاف الانتخابات؛ لعلمها أنها لن تستحوذ على السلطة، بل إنها قد تفقدها أو على الأقل سيشاركها فيها قوى منافسة لها. فاعتقدت هذه القوى أن حصولها على أكبر قدر من السلطة لن يتحقق إلا من خلال القوة والعنف والحرب، ومن لا يزال يعتقد ذلك، فإنه لن يوافق على وقف الحرب إلا إذا ضمن أن يكون نصيبه من السلطة أكبر من غيره. وإذا لم تعمل الحرب على إعطائه ما يطمع به، فإن المفاوضات لن تمنحه ذلك، فالمفاوضات هي القبول بالتنازلات الضرورية.. أن وقف الحرب يبدأ من العودة إلى الشعب. ثالثاً: فإن كان اللاهثون للاستضافة في الكويت يريدون أن يتباحثوا حول خلافاتهم الخاصة، فالأولى أن يذهبوا للاستضافة في الرياض. بمعنى إن كانت المباحثات والحوارات حول ادعاء كل طرف أن الطرف الآخر يخالفه في الدين أو المذهب أو أي شيء له علاقة بخصوصية كل طرف، فمن الممكن أن تنجح المباحثات. فبحسب علمي أنه حتى الآن لم يغير أحد من المتحاربين دينه ولا مذهبه. فمن كان خلال الحرب كافراً، كما وصفه الطرف المنافس له، فمن حقه أن يتراجع عن ذلك، ولكني أنصح أن يتناقش كل طرف مع أتباعه حتى يكون ما يعرضه على الطرف الآخر ذا مصداقية. لقد خلقتم ثقافة كريهة تقاوم التعايش لا يمكن أن نتخفف منها إلا إذا اعترفتم بأنكم قد ارتكبتم أخطاء. رابعاً: إن كنتم ستذهبون للكويت لمناقشة القضايا الوطنية، فلابد أن تحصلوا على تفويض واضح وجلي من اليمنيين أولاً، ولا أعتقد أن غالبية اليمنيين سيعطونكم هذا التفويض بعد أن تراجعتم عن معظم وعودكم له. فإذا اعترفتم بأخطائكم، فالأفضل لكم أن تتخلوا عن زعاماتكم السياسية. فمن أخطأ في الماضي، فما الذي يضمن أنه لن يكرر الخطأ مرة ثانية. على الأقل يجب أن تتخلى قيادة الصف الأول إلى الصف الثاني. خامساً: أن المؤشرات الكثيرة تؤكد أن القوى المتحاربة لم تعترف بخطئها ولم تغير موقفها. ومن ثمّ فإنه من المتوقع أن لا ينتج من هذه المباحثات أي اتفاق.. أي شيء، سواءً في الكويت أو في أي مكان آخر، غير ممكن على الإطلاق. فمن يلاحظ الخطاب الإعلامي لهذه القوى قبل الحرب وأثناءها لم يتغير أبداً، بل يمكن القول إنه قد وصل إلى مستويات عدائية في الوقت الحاضر بهدف تبرير انهزامهم في الحرب وتحميل الطرف الآخر مسئولية ما حدث، ولاشك أن ذلك لا يبشر بخير. فلا تعطوا للشعب أي آمال كاذبة، ولا تحملوه أي معاناة لا ضرورة لها. سادساً: فإن كنتم لا تعبأون بخداع الشعب، فإني أنصحكم أن لا تخدعوا أنفسكم وأتباعكم. إذ أن هناك تناقضاً واضحاً فيما يهدف كل طرف للحصول عليه من محادثات الكويت، مما يجعل التوفيق بين هذه الأهداف مستحيلاً، ولا يستطيع أفضل دبلوماسي في العالم أن يوفق بينها. وإذا كان من يدير هذه المباحثات فقد المصداقية والقدرة على التعامل مع موضوع معقد كهذا، فمن يؤمل نجاحاً منه هو في الحقيقة يخادع نفسه. سابعاً: أقول للسعودية أن تدرك من خلال تجاربها السابقة والحالية أن لا تخدع نفسها فتتواضع وتتحاور مع الشعب اليمني. فعملاؤها قد خدعوها في الماضي والحالي، وسيخدعونها في المستقبل. العبد لا يهمه من يكون سيده، وبالتالي فإنه لا يمانع أن يكون عبدا لأناس آخرين. الأحرار قد لا يقبلون الإذعان ولكن إذا وعدوا أوفوا. إنه من مصلحة السعودية أن يكون الشعب اليمني حرا وأن يختار قيادة حرة. فتكاليف الاختلاف مع الأحرار أقل بكثير من تكاليف الإنفاق على العبيد. فإن كانت هذه التفاهمات حول حقوق اليمنيين، فليس من حقكم جميعا أن يُناقش ذلك لا سراً و لا جهراً، لا في الرياض أو جنيف أو الكويت، وإنما يتم ذلك بين اليمنيين وفي صنعاء، ثم بين من يفوضهم اليمنيون، إما في صنعاء أو في الرياض. ثامناً: أقول لأنصار الله ولغيرهم: لا تستطيع ولا يحق للسعودية إعطاؤهم أي قدر من السلطة. وكذلك لا يحق لأحد منهم التنازل للسعودية عن أي حقوق من حقوق اليمنيين. فإذا تم تبرئة السعودية من جرائمها في اليمن، فمن سيبني ما دمرته السعودية وقد نجحت في تدمير الاقتصاد والبنية التحتية، وتجزئة البلاد، وتمكين القاعدة، وإسقاط الدولة، وتجويع الناس، وقتل الآلاف منهم، وهي التي ستستمر في التدمير ولو بطريقة غير مباشرة. إن من يعطي السعودية إعفاء من مسئوليتها سيتحمل ذلك ولن يقبل الشعب بذلك. تاسعاً: يجب التعلم من الماضي، فإن أي اتفاقيات مع الجارة السعودية لابد أن تكون عادلة وشاملة وواضحة، وتحظى بالقبول من اليمنيين، أو على الأقل من غالبيتهم. فإن من يكذب ويخادع في وقت الحرب سيستمر في ذلك بعدها.. هذا إذا انتهت؟ الم نرَ أن الحرب لا تزال مستعرة ولم تتوقف؟ وأي مصداقية لمن يزعم أنه سيوقفها؟ ومن لا يوفي بالعهد في الوقت الحاضر فإنه لن يوفي به في المستقبل. فمن المنطق القول إنه يكون مضطراً للوفاء بعهوده الآن من أجل أن يخدع الآخرين. فمن لم يقم بذلك، من باب أولى يفي بأي تعهدات بعد أن يحصل على ما يريد. أقول لهؤلاء، إنكم في ضلال مبين وتقودون أنفسكم وشعبكم إلى الذل والهوان والاحتلال والتبعية والتخلف والمعاناة وكل أنواع الإهانة. لقد كان عليكم أن تذهبوا إلى الشعب من خلال التوافق على الانتخابات الرئاسية، وتسلموا بالنتائج سواءً أكانت لكم أم لغيركم. فإن انهزمتم فسيكون لكم الفخر لأنكم سلمتم لشعبكم، وإن انتصرتم فلن تشحتوا الشرعية والقبول بكم من غير شعبكم. فلماذا لا تفكرون بذلك؟ لأنكم في ضلال مبين. ومصير الضلال والمضلين التلاشي، مثله مثل السراب بقيعة. وفي حال حصوله فلا تلوموا إلا أنفسكم. * بروفيسور الاقتصاد جامعة صنعاء وزير المالية الأسبق