يقول الانفصاليون والانعزاليون إن اليمن لم يكن -في أي مرحلة من مراحل التاريخ- موحدا، فالشمال يمني، والجنوب أصله جنوب، ولما قلنا جنوب ماذا؟ جنوب أيش؟ "حاصوا" ورجعوا قالوا جنوب عربي.. محنة هؤلاء أنهم يجهدون أنفسهم لإيجاد تاريخين مختلفين.. ولن يفلحوا، فلا يوجد لليمن تاريخان منفصلان في أي مرحلة من مراحل التاريخ القديم والوسيط والحديث والمعاصر، فاليمن كانت واحدة موحدة، جغرافيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، ولا عبرة في الاستثناءات.. نحن الموجودين اليوم وغدا سليلي الشعب الذي كان منتشرا على الخريطة اليمنية المرسومة منذ وجدت اليمن.. أقدم الدول اليمنية وهي دولة معين التي ظهرت في الجوف قبل ميلاد عيسى المسيح بألفي سنة وكسور، كانت تتكون من اليمن الطبيعي المعروف، ومدت نفوذها إلى شمال شبه الجزيرة العربية، كذلك كان الحال في الدول التي تلتها مثل مملكة سبأ- ذو ريدان- حضرموت- تهامة، وآخر تلك الممالك القديمة هي مملكة حمير التي استمرت إلى قبيل الإسلام.. كل واحدة من هذه الممالك كانت تحكم اليمن شمالا وجنوبا وشرقا وغربا.. وفي العصر الإسلامي الأول كانت اليمن موحدة، وكل ما فعله الرسول محمد أنه قسمها ثلاث وحدات إدارية (صنعاء، الجند، حضرموت) واستمر الحال على ما هو عليه في عصر أسرة أمية، رغم وجود المنازعات الأموية- العلوية، وكانت كذلك في عصر أسرة العباس، ولما ضعفت هذه في بغداد، فلتت اليمن منهم، ووجدت دويلات يمنية كالزيادية واليعفرية والهادوية، ومع ذلك كانت هذه الدويلات تعترف أنها موجودة في الرقعة اليمنية، وتتنافس في اليمن، وعلى اليمن، وكانت – رغم التنافس والحروب الداخلية- تتكامل فيما بينها اقتصاديا وتجاريا، وسرعان ما كانت تتخلق سلطة مركزية وتتقوى، وتوحد اليمن، وتترك صلاحية للسكان ليدبروا شئونهم المحلية من تلقاء أنفسهم.. اليمن كانت موحدة في عهد الدولة الصليحية وملكاتها (أسماء بنت شهاب، وأروى بنت علي الصليحي، وأروى بنت أحمد الصليحي)، وكذلك في عهد الأسر الرسولية والطاهرية، والأئمة الهادويين، والزريعيين، فكل هذه الأسر والأحزاب حكمت يمنا واحدا موحدا، رغم أنه في عهد كل واحدة منها كانت توجد دويلات أو إمارات صغيرة مستقلة.. حالة التجزئة الاستثنائية، وهي الأطول زمنيا، حدثت باحتلال البريطانيين عدن في العام 1839، وبعودة الاحتلال التركي عام 1872، فالاستعماران البريطاني والتركي اتفقا في عام 1914 على تقسيم اليمن قسمين، وبذلك خلقا التشطير لأول مرة، واستمر إلى ما قبل تحقيق الوحدة في 22 مايو 1990.. وغدا نكرر.