أكد مبعوث أمين عام الأممالمتحدة إلى بلادنا إسماعيل ولد الشيخ في إحاطته لمجلس الأمن الدولي، الخميس، أن التصعيد العسكري من قبل التحالف بقيادة السعودية، وآخرها ما تسمى (الرمح الذهبي) تؤثر بشكل مريع على الشعب اليمني وتزيد من مخاطر الإرهاب فقط، ولن تتمكن على الإطلاق من الحسم العسكري. وقال: لا زلت على ثقة أنه لا يمكن للحل أن يكون عسكرياً، فنحن نشهد يومياً جولات من الكر والفر، ومن لا يرى غير الحل العسكري سبيلاً في اليمن فإنه يزيد من معاناة اليمنيين ويساعد على تزايد خطر الإرهاب، مشيراً إلى أن زيارته الأخيرة إلى عدن تمت في أوضاع أمنية صعبة، في إشارة إلى تغلغل التنظيمات الإرهابية هناك. وإذ أشاد بموافقة المؤتمر الشعبي العام وأنصار الله على خارطة الطريق كورقة قابلة للبحث والتفاوض، إلا أنه انتقد رفضهم لمطالبه خلال زيارته الأخيرة إلى صنعاء (الانسحاب من المدن وتسليم الأسلحة الثقيلة) حيث ترفض السلطات في صنعاء الحلول المجتزأة التي تركز على تنفيذ مطالب العدوان السعودي فقط، وهو الاستسلام قبل أية مفاوضات. وعن موقف حكومة الفار هادي، أكد المبعوث أن انتقادات هادي المتواصلة للمقترحات من دون القبول بمناقشتها لتعديل بنودها يقوض الثقة بمسار السلام ويطيل أمد الصراع. كما انتقد وبشدة مماطلة حكومة الفار هادي من الوفاء بالتزامها في صرف رواتب الموظفين في كامل محافظات الجمهورية، وهو الالتزام الذي كانت تعهدت به للأمم المتحدة للموافقة على نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن. نص الإحاطة سيدي الرئيس، شكرا لإعطائي الفرصة لاطلاع مجلس الأمن على آخر تطورات الملف اليمني. لقد شهدت الأشهر الأخيرة تصعيدا للعمليات العسكرية أثر بشكل مريع على الشعب اليمني. إن الأعمال القتالية استمرت في مناطق عدة ومنها محافظة صنعاءوتعز والمنطقة الحدودية بين اليمن والمملكة العربية السعودية. ولا يزال المدنيون في تعز يعانون من القصف العشوائي المتزايد على المناطق السكنية. كما تصاعدت حدة القصف البري والجوي في الساحل الغربي مع انطلاق عملية الرمح الذهبي التي شنتها الحكومة اليمنية –حكومة الفار- وحلفاؤها (تحالف العدوان السعودي). لا يزال كل من الطرفين يدعي التقدم العسكري على الأرض ويجاهر به في وسائل الإعلام، إلا أنني لا زلت على ثقة أنه لا يمكن للحل أن يكون عسكريا. فنحن نشهد يوميا جولات من الكر والفر، ومن لا يرى غير الحل العسكري سبيلا في اليمن، يزيد من معاناة اليمنيين ويساعد على تزايد خطر الإرهاب، كما أنه يؤخر تعافي اليمن من مخلفات الحرب. ومما يضاعف المأساة أن هناك مقترحا للسلام على الطاولة، وهذا المقترح سوف ينهي النزاع في حال تحلى الأطراف بالإرادة والشجاعة السياسية لتنفيذه. سيدي الرئيس: لقد عقد بتاريخ 18 كانون الأول / ديسمبر في الرياض اجتماع حضره وزراء خارجية المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، وقد دعيت للمشاركة به. صدر عن هذا اللقاء نداء عاجل لإعادة الالتزام بوقف الأعمال القتالية، وتليه فترة تحضيرية مدتها أسبوعان لتدارك مسببات الخروقات التي كانت تحدث في كل مرة، أعلنا فيها وقف القتال. ونحن حريصون على أن يلتزم الأطراف هذه المرة بشكل فعلي وكامل يوفر الإغاثة الضرورية لليمنيين. لقد أتم فريق العمل في مكتبي كل الترتيبات الخاصة للاجتماع التحضيري والذي يشمل ورشة عمل مدتها خمسة أيام، يحضرها ممثلون من طرفي النزاع، حتى يخرجوا بخطة عملية مشتركة تضمن تقوية وقف الأعمال القتالية، وعدم تعرضه لأي خرق من أي طرف. إن نجاح وقف الأعمال القتالية سوف يساعد على تحقيق انفراج حقيقي في المشهد اليمني ويحمل الأمل لليمنيين بعد معاناة طويلة من الحرب، كما أنه سيشكل ركيزة صلبة للتباحث بالحل السياسي الشامل. لقد التقيت بوزير الخارجية الأردني في اليوم التالي لتوليه منصبه، وقد عبر عن ترحيب بلاده باستضافة هذه الورشة. كما عبر عن استعداد المملكة الأردنية الهاشمية لتقديم أي دعم لمسار السلام، ومساعدة الشعب اليمني، وهذا ليس بغريب عن بلد استضاف وقدم ملجأ آمنا وخدمات استشفائية أساسية لعدد كبير من مواطني الدول المجاورة، ومنهم اليمنيون. وفي هذا السياق، أرحب بتجاوب الحكومة اليمنية –حكومة الفار- وموافقتها على إرسال ممثليها للمشاركة في هذه الدورة، وأتمنى على وفد أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام تأكيد حضور ممثليهم. على الصعيد السياسي، دعا البيان الصادر عن اجتماع 18 ديسمبر في الرياض الأطراف إلى التعامل بشكل بناء مع مقترح الأممالمتحدة الذي عرضته على الأطراف، تمهيدا لجولة مقبلة من المشاورات. لا زال لدى الأطراف بعض المخاوف والتحفظات، إلا أنني سأتابع مباحثاتي معهم لوضع حلول تساهم في تقريب وجهات النظر. إن هذا المقترح يرتكز بشكل كبير على أبرز ما تم التباحث به في مشاورات الكويت، ويمهد الطريق لحل سياسي شامل يتماشى مع قرار مجلس الأمن 2216 والقرارات ذات الصلة، ومع مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية. وكذلك يشكل الخطوة الأولى على طريق السلام، ويمهد لمرحلة انتقالية بحسب مقررات الحوار الوطني، وقد لقي هذا المقترح دعما كاملا من المجتمع الدولي. بتشجيع من سلطنة عُمان والولايات المتحدة الأميركية، وافق وفد أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام على خارطة الطريق كورقة عمل قابلة للبحث والتفاوض في شهر نوفمبر، وكان هذا مؤشرا إيجابيا. إلا أن امتناعهم عن تقديم أية طروحات عملية وعن وضع خطة مفصلة للترتيبات الأمنية تتطرق إلى تفاصيل الانسحاب العسكري وتسليم الأسلحة الثقيلة، لم يساعد على التقدم، خاصة وأن الشق الأمني جوهري في المقترح وأساسي للسلام. وقد تحدثنا مفصلا في هذه المواضيع خلال زيارتي الأخيرة إلى صنعاء. ولا شك أن قرار أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام بإنشاء حكومة موازية تابعة للمجلس السياسي الأعلى يضع عراقيل إضافية لمسار السلام ويؤثر سلبا على عامل الثقة بين الأطراف، ولقد كررنا أكثر من مرة خطورة القرارات الأحادية في هذه الأوقات العصيبة، وتأثيرها على إعادة تفعيل مؤسسات الدولة. أما الجانب الحكومي، فمنذ إفادتي الأخيرة إلى مجلس الأمن، لقد قمت بزيارتين إلى عدن في ظروف أمنية صعبة وحساسة، وكانت آخرها في 16 من الشهر الجاري، حيث التقيت برئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، ورئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر، ووزير الخارجية عبد الملك المخلافي. لقد حثثت الرئيس هادي على الالتزام العلني بالمشاورات على أساس مقترحاتي التي قدمت في الكويت وما بعد الكويت. إن انتقاد الرئيس هادي المتواصل للمقترحات من دون القبول بمناقشتها لتعديل بنودها يقوض الثقة بمسار السلام ويطيل أمد الصراع. لقد أكدت للرئيس أن ما تقدمه الأممالمتحدة هو مقترحات قابلة للتباحث، حتى نتوصل إلى حل شامل يقبل به الأطراف، وما من حل آخر يؤمن السلام لليمن ويجمع اليمنيين على طاولة واحدة للتطرق إلى التحديات الداخلية، وأبرزها قضية مظالم الجنوب. سيدي الرئيس: يشهد اليمن حاليا تراجعا مستمرا على الصعيدين الاقتصادي والإنساني. فبحسب المنظمات الإنسانية، 18.8 مليون مواطن ومواطنة بحاجة لمساعدات إنسانية و2.2 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، وهذا المؤشر هو الأسوأ على صعيد العالم. الأسباب كثيرة ولا تقتصر على ارتفاع نسبة الفقر فقط، بل تشمل أيضا تراجع الخدمات الصحية والاستشفائية وعدم توفر المياه، وغيرها من العوامل وسوف يطلعكم منسق الشؤون الإنسانية الزميل ستيفن أوبراين‘Stephen O'brien' بشكل موسع على تأثير الحرب على الوضع الإنساني. وفي هذا الصدد، إن الإبقاء على مطار صنعاء الدولي مغلقا يزيد من صعوبة الوضع العام. فاليمنيون الذين هم بحاجة للسفر للعلاج غير قادرين على ذلك، وكذلك هي حال من هم في الخارج ويريدون العودة إلى بلادهم. كما أن الانتقال من وإلى مطار عدن ليس بالأمر السهل. وفي هذا السياق أحث الحكومة اليمنية على إعادة تفعيل حركة الطائرات المدنية والتجارية من وإلى مطار صنعاء الدولي، وأدعو جميع الأطراف إلى ضمان أمن وسلامة الملاحة الجوية والمطار. لقد أرسلت لكل من الأطراف رسالة رسمية لأخذ التدابير اللازمة. كما أن التأخر المتزايد لصرف رواتب الموظفين أثر بشكل كبير على قدرة اليمنيين الشرائية، ولا شك أن المماطلة في هذا الموضوع سوف تدفع المزيد من اليمنيين إلى حافة الفقر المدقع. من الضروري أن يعمل كل من الحكومة اليمنية والبنك المركزي وأنصار الله والمؤتمر الشعبي العام على ضمان استئناف صرف الرواتب على اليمنيين في جميع المحافظات، وقد وصلتنا هذا الصباح معلومات من الحكومة أنها قد باشرت بذلك. كذلك من الضروري، وبالتعاون مع صندوق الأممالمتحدة للطفولة والبنك الدولي، تمويل صندوق الضمان الاجتماعي، حتى يتمكن من تزويد أكثر اليمنيين عوزا بالأموال النقدية. كما أشجع الشركاء الدوليين على تأمين الوصول إلى العملة الصعبة الضرورية لمستوردي المواد الأساسية، حتى لا تتوقف عمليات الاستيراد. سيدي الرئيس: لا شك أن اليمن يتخبط حاليا في دوامة من العنف والصراعات السياسية، إلا أن هناك ملامح واضحة للخروج من هذه الأزمة. إن المقترح الذي تقدمت به، وإن كان يفرض بعض التنازلات، إلا أنه يرتكز على متطلبات الطرفين، ويأخذ بعين الاعتبار العوامل السياسية والأمنية والاجتماعية في البلاد، ويفسح المجال لمستقبل آمن لليمن واليمنيين. وسوف أقدم للأطراف جدولا مفصلا يعكس التسلسل الزمني، بحسب تصورنا، لأبرز المراحل السياسية والأمنية وتلاحقها، وأدعوهم إلى التحلي بالحكمة السياسية والمسؤولية الوطنية، حتى نحقق التقدم الضروري في هذا الملف. منذ أن تقدمت بإحاطتي السابقة لمجلس الأمن، لقد التقيت بوزراء الخارجية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدةوالكويتوعمان وقطر والأردن والسويد، كما التقيت بنائبي وزير خارجية روسيا والصين، ولمست الإجماع الدولي الداعم دائما لمسار السلام وجهود الأممالمتحدة. وفي هذا السياق، أريد أن أشيد بالدعم الذي حصلت عليه من السفارة الروسية في صنعاء في آخر زيارة لي. أرجو أن يكثف المجتمع الدولي الجهود للضغط على الأطراف لإعادة الالتزام بوقف الأعمال القتالية في الأيام المقبلة، وأنا على ثقة أن تحسن الوضع الأمني سوف يفسح المجال لتفعيل الحوار السياسي الذي نرجو أن يؤدي إلى حل جذري للحرب. أنا أتيتكم مباشرة اليوم من صنعاء القلقة والحزينة، وتلمست عن قرب معاناة اليمنيين واليمنيات. آمل أن يفتح المسؤولون اليمنيون البصر والبصيرة، ليروا حجم الكارثة التي أخذوا البلاد إليها، وأن يتخذوا القرار الجريء بالالتزام بالحل السياسي ووقف النزاع. إن حل المشكلة اليمنية لن يكون من أية جهة خارجية. فالأممالمتحدة تفاوض وتيسر، والمجتمع الدولي يضغط ويسهل، إلا أن القرار يبقى قرار اليمنيين المعنيين بالنزاع، وبقدرتهم على تقديم التنازلات وتحكيم الضمير السياسي. ومحكمة التاريخ لن ترحم.