يسلك الحيوان سلوك القطيع الذي ينتمي إليه، سلوك تلقائي غريزي، يتوجه أينما توجهت، فإذا شرَّقت شرَّق، وإذا غرَّبت غرَّب، وإذا ذُعرت ذعر معها، ويرعى رعيها.. وقد نقل مصطلح غريزة القطيع من المجال الحيواني، إلى المجال البشري، وبات يطلق على سلوك الأشخاص الذين يسلكون سلوك الجماعة التي ينتمون إليها دون استقلالية أو تفكير. وسلوك القطيع يتجلَّى بوضوح في الجماعات المنظمة على أسس عصبوية دينية أو جماهيرية، أو عصابة من العصابات، وأقرب مثال لذلك هو جماعة الإخوان المسلمين، حيث يلاحظ أن عضو الجماعة مجرد تابع فاقد الاستقلالية لا يفكر خارج صندوق الجماعة. وجماعة الإخوان المسلمين- مثل أي جماعة من التي ذكرنا قبل- أول ما تفعله هو صهر الفرد فيها ليصبح جزءاً منها يتصرف كما تتصرف الجماعة وفي إطار عقيدة الجماعة، والثقافة الخاصة بالجماعة، حتى إذا سألته من أنت؟ قال لك: أنا إسلامي عضو في جماعة الإخوان المسلمين، وإذا سألته ما هدفك يقول: هدف الجماعة، وهكذا يكون أيضاً رأيه رأي الجماعة، وولاؤه للجماعة، وموقفه موقف الجماعة، والصواب ما تقوله الجماعة فقط. ولكي يصبح الفرد كذلك، فإن الجماعة تبدأ أولاً بإثارة مشاعر الإحباط والتذمر لديه، أو تستغلهما لاستقطابه، وسلخه من أسرته ومن مجتمعه باعتباره مجتمعاً غير إسلامي، أو مجتمع معاصي، وبذلك تلغي هويته وتعطِّل تفكيره، وتعزله عن المؤثرات الخارجية وتصب ثقافتها الخاصة في رأسه، وتحدد له قنوات التلقي، وماذا يقرأ، وما لا يجوز له أن يقرأ، وما يجوز مشاهدته والاستماع إليه، وما لا يجوز، وبذلك تقضي على نزعة الانفتاح الذي تعتبره عدو الجماعة ومصدر تخلخلها.. وإذا تأملت في تجربة الذين ينشقون عن الجماعة ستجدهم من الذين حافظوا على قدر من الاستقلالية في التفكير والانفتاح على ثقافات أخرى خارج ثقافة الجماعة، وغيرها من الخصال التي استعصى على الجماعة انتزاعها منه. والجماعة من أجل تماسكها أيضا تربي العضو فيها على السمع الطاعة والاستسلام التام والاستعداد للتضحية لكي تبقى موحدة وقوية.. وهو بالتالي يستمد مصلحته من كونه عضواً في الجماعة الموحدة القوية، لذلك يدافع عنها ويتبعها كما أُمر. عند هذا العضو، الجماعة هي مصدر ثقافته ورأيه وموقفه، يتعصب لها بالباطل مهما كان باطلها، يدور حيثما دارت، ويطيع أمير الجماعة في المنشط والمكره، والصواب ما تقول الجماعة، والحقيقة الأخيرة ما تنطق به حتى لو كان العالم كله يكذبها.