قبل سنين –من الآن- أصابتني سكتة عاطفية نسيت بعدها أن أسمع صوت فيروز كل صباح. كانت حالتي صعبة جدا وكنت رجلا فقط، وما أسوأ أن تعيش الحياة وأنت مجرد رجل فقط. قال الطبيب النفسي يومها إن السكتة العاطفية مؤشر جيد لبلوغ المرء سن الرشد، وإنها تشبه تماما ضرس العقل وإنها أيضا أهم شيء لإنسان السياسة. العقار الذي كتبه لي كان عبارة عن نصائح لئيمة: اهتم بشغلك أكثر.. ضع قلبك في دولاب الملابس وتابع بشكل مستمر مايدور في الساحة من أخبار ولاتخبر أحدا عما تنوي القيام به. "اشتحط الآن" واكتب بيانا هاما ضد الاسترخاء وضد الحرب وضد اللصوص وضد الغلاء وضد الوباء ووقع اسمك في كل عريضة شكوى تطالب بإلقاء القبض على الجناة . تناول أقراص السياسة ثلاث مرات في اليوم ولاتدخن كثيرا، لأن قلبك ليس ملكك أنت فقط. فعلت ذلك بالتزام تام. وفي الشهر الرابع اطمأن الطبيب جيدا على حالتي العاطفية، وقال – وهو مبتسم بشدة- إن صحراء الربع الخالي كلها تتمدد في قلبي الآن، وهذا بحد ذاته مؤشر جيد لأن أفكر الآن بخوض انتخابات البرلمان،وسأكسب –بجدارة- مقعدا عاطلا، تماما كقلبي العطل. بعد عام بدا الطبيب مبتهجا جدا وهو يراني في المقيل أضغط زر الرسيفر وأنتقل سريعا من فوق قنوات الأغاني بحثا عن قناة الأخبار.. وحينما انتبه بأنني لم أعر الشعر والأدب والفنون اهتماما، بل رحت –في كل لقاء يجمعني به– أحدثه عن الانتخابات وعن مأزق الجيش الأمريكي في بغداد، قال لي بارتياح جم: - الآن فقط اشتد عودك يافتى! القلب الأخضر الذي كنت أحمله بين ضلوعي تحول –مع الوقت- إلى كشك جرائد مهمل. والضحكة التي كانت تنط من روحي أصبحت رزينة ومرتبة ومحسوبة بدقة فائقة. السكتة العاطفية سمحت لفوضى السياسة أن تكبر تحت كل مسامات جلدي، وهذا شيء مقرف للغاية. لا بأس، سأحاول أن أخلع جلدي الآن بأي تجربة حب.. سأعود للشعر وللشقاوة وللسهر علني أعود إلى ماقبل رشدي السيئ. لكنني - بالتأكيد- سأحتاج مجددا إلى مهارة عاطفية جديدة.. وسأحتاج أكثر إلى امرأة لاتسايسني، أنا متعب جدا من السياسة.