أصدقائي الإسكندرانيين، رفعت ورمضان " فلجوني " بغرورهم وبتباهيهم بمصر، وبحضورها الطاغي في كل مكان، حتى أنهم أشعروني – وأنا جالس بينهم في الإسكندرية - لكأني أنتمي إلى بلد بلا إعلام وبلا حضارة وبلا تاريخ. ما جعلني أكذب عليهم وأقول بأن " جيمس بيكر" يمني في الأصل وينتمي إلى بيت بيكر في بني مطر، وأن نزار قباني هو الآخر يمني من " مقبنة"، اقتنعوا إلى حد ما، غير أن الكارثة بدأت حينما سألني رمضان: أنت درست إيه ؟ ( وأجبته سريعاً كما لو أنني صاحب اختراع مهم) - إذاعة وتلفزيون..(لم أنه عبارتي تلك إلاَّ ووجدته "يتفحرر" من كثرة الضحك!) - خير اللهم أجعله خير، أيش في؟ (سألتهُ وأجاب بسخرية شرخت رأسي نصفين: هو أنتو عندكو تلفزيون من أصله؟.. ثم بدأنا رهاناً حماساً في قهوة شعبية أنيقة بإحدى زقاق "كامب شيزر"حيث كنا سهرانين. إذ أخذ أحدهم-رمضان بالتحديد- ريموت الرسيفر, وبدأ يُقلَّب القنوات الفضائية بحثا عن تلفزيون اليمن.ويارب سترك. ضغط زر الرسيفر بادئ الأمر فظهرت صورة الفنانة( فايزة أحمد) من قناة البحرين تغني (أنا لست آسفة عليك) وعند ذاك قفز جميعهم وهم يهتفون بتباهٍ: -أهُم أهُم أهم .. المصريين أهُم.. قلت ماعليش، اليمن في الطريق.وضغط (رمضان) ثانية على زر الرسيفر، وطلعت قناة السودان،كانوا راقدين كالعادة، رغم أن أمريكا أيامها ضربت-فقط- مصنع الأدوية، ولم تضرب محطة التلفاز. ثم وبضغطة زِر أخرى طلعت لنا القناة المصرية الأولى والثانية, وصرخ جميعهم مبتهجين: -أهُم أهم أهُم.. المصريين أهُم.. فعلوا ذلك وأنا جالسا بينهم "مُطنن"حالتي حاله, وروحي داخلي تهتف بصمت "يا ساتِر لا تكشف".. قلَّبوا يجي عشر قنوات، وكلما ظهرت قناة، ظهر فيها مصريون طبعا، ووجدتهم يهتفون ليغيظوني: أهُم أهُم أهم .. المصريين أهُم. ثم - ومن بعد عديد قنوات جميعها قهرتني -نط صوت(جميل عازر) من قناة الجزيرة يقرأ خبراً رئيسا قال فيه إن مجموعة مسلحة في اليمن اختطفت ثلاثة سيَّاح أجانب من أحد شوارع العاصمة صنعاء". وما كان مني لحظتها إلاَّ أن أقفز مخنوقاً من شدة القهر و" أبترع"وأنا اهتف: أهُم أهُم أهُم أصحاب البلاد أهُم.. أهُم أهُم أهُم الله ينتقَمهم؟! .. * * * [email protected]