منذ ما يقارب العشرين يوما ونحن خارجون أحمدغراب من ثورة وداخلون في ثورة. وإذا كانت ثورة تونس في الشوارع وثورة مصر في ميدان التحرير، فإن ثورتنا -نحن بقية العرب- تجاه التلفزيون. الريموت قد هو معطّف سع الريال المُشطط، وإذا كان أحد المتظاهرين المصريين قد علّق لافتة يقول فيها: ارحل أيدي وجعتني.. فإن أطفال العرب يطالبون بذلك؛ لا لشيء إلا لكي يتمكنوا من العودة إلى مشاهدة "سبايستون". والحاصل أيها القُراء أن أطفالي ضبحوا منّي؛ لأني طول الوقت ماسك الريموت واتقافز من الجزيرة إلى "بي. بي. سي" إلى العربية إلى الحرة إلى "سي. إن. إن" إلى القنوات الإخبارية المصرية إلى هانيبعل التونسية إلى التونسية أربعة وعشرين، حتى شكا منِّي الريموت وبكى وانمحت الأرقام من أزراره، وأصبح للتلفاز صوت مثل صوت السيارة الخُردة حق عبده فشفشي. ويبدو -والله أعلم- أن أطفالي شعروا بأنه لم يعد هناك تعددية ديمقراطية تمكّن من التداول السلمي للريموت، والانتقال إلى "سبايستون" موازاة ب"الجزيرة"، فقرروا القيام بمظاهرة في الصالة رفعوا فيها شعار: "البيت يريد إسقاط الغراب"، قلت في نفسي: الحمد لله أن أبو غرابي (طفلي الأصغر) لم يقلد أبوعزيزي ويولع بنفسه. ولأنني أب ديمقراطي فقد اجتمعت بهم وأعلنت أمامهم أننّي ناوي أتنازل عن الريموت، هتف أحدهم: واي حين ع تتنازل عن الريموت بعدما تحرق التلفزيون؟ ما بلا من ذلحين نسوي ائتلاف ونتقاسم الريموت؛ ساعة نشوف الجزيرة وساعة نشوف سبايستون، لم أجد أمامي سوى أن أوافق. وهاأنذا جالس أمام التلفزيون مثل الأطرش في الزفة، ساعة مع مصباح علاء الدّين، وساعة مع زين الهاربين، ساعة مع توم وجيري وساعة مع أخبار المظاهرات والاعتقالات، و،.. وساعة في كوكب "زمردة" وساعة في ميدان التحرير، ساعة مع "ايكوسان" وساعة مع لجنة الحُكماء. والعجيب أن كل مسلسلات الأطفال التي شاهدتها إجباريا طول هذه الفترة تطرح فكرة الرحيل ابتداءً من سباستيان وريمي وببيرو يعني كل الأبطال في سبايستون رحلوا وما فيش أي مشكلة، المشكلة في البلدان التي أتفرّج عليها. وفيما كان أطفالي يتساءلون بحزن واندماج شديد مع مسلسل "نحّول"، ويساءل أحدهم الآخر: " قد بشار لقي أمّه أو لا؟!!".. كنت أتساءل -وأنا أتأمل حشود المظاهرات- " قد رحل أو لا؟!! خبر عاقل: القمة العربية القادمة قمة تعارف..