الأحد , 20 أغسطس 2006 م وانتهت الحرب.. انتهت الغارات الجوية، والزحف الأرضي، والخوف، وخطب حسن نصر الله، وربما «كاتيوشات» حزبه.. وعلى الرغم من جلبها مآسي، وفجائع ودمار لكثير من الأرواح، والمنازل، والمدن، إلا أن الحروب تكون ذات فائدة أحياناً على كثير من الناس ترسيخاً لقاعدة، أو مبدأ «مصائب قوم عند قوم فوائد». أوقات الحروب ترتفع أسهم القنوات التلفزيونية الإخبارية، وينشط التنافس بين المراسلين على التقرير الأنجح والمميز، ومن هو الذي استطاع أن يصمد تحت أزيز «الأباتشي».. تزداد مبيعات الصحف، ويجدها الكتَّاب الذين قربت أحبار أقلمهم على الجفاف «فرصة» لتحريكها. «تقرح» «قريحة الشعراء»، فيظهرون بقصائد «مسيلة للدموع» وتقترب النخوة العربية من 180 درجة عن المثقف، والمقوت، وصاحب الدكان الذي لا يتوانى لحظة في تعليق صورة حسن نصر الله «البطل» مكان صور الأبطال السابقين. وفي الوقت الذي تبدو فيه الحرب «سهلة» عند المتفرجين تظهر «صعبة جداً» عند «المتفرجين» على القنوات الفضائية الترفيهية.. «ما أسهل عند المتفرجين، ما أقساها على الأطفال».. تمنيت إضافة هذه العبارة الأخيرة للجملة المعتادة إطلاقها عند الحروب، والسبب أنهم الشريحة الأكثر معاناة من ويلاتها.. في بداية الحرب الاسرائيلية على لبنان، ظهر كاريكاتير في إحدى المجلات المصرية مرسوماً فيه طفل يحملق في وجه والده الذي يحملق هو الآخر على نشرات الأخبار ويقول له: «بابا هلاَّ مارح نشوف هيفاء ولا كاتيا»!!، حتى الأطفال يريدون مشاهدة «هيفاء» و«كاتيا» وليس أنا فقط. فعلى الرغم من تعاطف كثير من الأطفال العرب مع أشقائهم اللبنانيين، وقبلهم أطفال العراق، وكابول أيضاً، إلا أن حاجتهم لمشاهدة قنواتهم الخاصة، والتخلص من نشرات الأخبار التي تصفعهم بأخبار حمراء بلون الدم «قُتل، فجّر، دمّر، جُرح»، تبدو واجبة. وحدهم الأطفال من يعانون من عواقب هذه الحروب.. تُحتكر شاشات التلفزة من قبل آبائهم لصالح نشرات الأخبار، وتسيل دموعهم في الأخير لأمرين: مشاهدة أطفال لبنان وقد تحولوا الى أشلاء متناثرة، وإصرار أولياء أمورهم على عدم الانتقال من قنوات «الجزيرة» وأخواتها، أو تسليمهم الريموت. أتخيل الآن مشهداً لطفل يهرول ناحية والدته التي اتخذت من الكرسي، أو «البلكة» المقابلة للمرآة مقراً شبه دائم، وهو يبكي بحرقة، متلفظاً بعبارات غير معروفة وحركات استنكارية يتمنى فيها لو أن الله «يقصف عمر والده» قبل أن تفكر اسرائيل في قصف بيروت، أو «حزب الله».. والسبب عدم تسليمه «الريموت» ليشاهد «هيفاء وكاتيا» أو نتائج دوري أبطال أوروبا الذي لم يبدأ بعد.. وأتخيل نفسي الطفل الذي يقوم في الأخير بشن حرب ضارية على والده يستخدم فيه كافة أنواع «الأحذية» و«القلاصات»، و«الملاعق» التي ستنهال على رأسه، موضحاً ل«الرأي الأسري» الأسباب الجدية التي جعلته يقصف رأس والده، ومدى تشابههما مع حرب اسرائيل على لبنان، مؤخراً. اسرائيل قصفت جنوبلبنان لعدم تسليمهم «حزب الله» جنديين وقعوا في أيديهم كأسرى، وهو أي الطفل قصف «غرفة المجلس» لعدم تسليم «عدو الله» «الريموت كنترول»، ومعاملته معاملة سيئة، في انتهاك صارخ مش صاروخ ل«حقوق الالكترونيات». لم أقرأ قانون حقوق الطفل إن كان لهم قانون وإلا لكنت كلفت نفسي البحث داخل أبوابه و«فصوله» عن «مادة» عالجت قضية كهذه.. مادة تلزم أولياء الأمور بتسليم «الريموت» لخلفائهم الصغار في ساعات محددة، ليتابعوا برامجهم المفضلة.. أو تلزمهم بشراء جهاز تلفزيون بملحقاته لأطفالهم، إذا كان الوقت.. حرباً.. من دعاء طفل «مفكود» اللهم خلِّص الحرب «فيسع»، اللهم اجعل رصاصهم «معوّض»، وصواريخهم تتحول إلى «مناطيد». اللهم «بنشر» دباباتهم، و «غَشْوِش» قناصاتهم، وحوِّل «غواصاتهم» إلى «سمك ديرك»، و«قنابلهم» إلى «بالونات».. آمين يا معين!! [email protected]