رئيس تنفيذية انتقالي لحج يطلع على جهود مكتب الزراعة والري بالمحافظة    وقفة شعبية في مديرية الوحدة تأكيداً للجهوزية في مواجهة الأعداء    الخارجية ترفض قرار تجديد العقوبات وتعتبره انعكاسا للأجندة الأميركية    بلا رونالدو.. البرتغال "مبهرة" تنتصر 9-1 وتصل للمونديال    البرتغال الى المونديال وايرلندا الى الملحق    رئيس لجنة المسابقات: لائحة جديدة ودوري بنظام الذهاب والإياب    فيروس جديد.. يفترس 9 حالات أولية في إثيوبيا    افتتاح معرض صور الآثار والمعالم التاريخية اليمنية في إب    العدو الإسرائيلي يسرق 17000 قطعة أثرية من متحف قصر الباشا في غزة    حضرموت.. حكم قضائي يمنح المعلمين زيادة في الحوافز ويحميهم من الفصل التعسفي    القربي: توافق الدول دائمة العضوية حول اليمن انتهى وهناك مخاوف من تصعيد قادم    560 ألف دولار تعادل رواتب 11,200 موظف لوفد اليمن في البرازيل    نجوم الإرهاب في زمن الإعلام الرمادي    بعثة المنتخب الوطني تصل الكويت لمواجهة بوتان    مسير بالدراجات النارية لخريجي دورات التعبئة بمديرية ملحان    رئاسة مجلس الشورى تناقش المواضيع ذات الصلة بنشاط اللجان الدائمة    الجوف.. تسيير قافلة من البرتقال دعماً للمرابطين في الجبهات    وزارة الصحة تدّشن مخيمًا طبيًا للفحص المبكر عن السكري والأمراض الصدرية    "العسل المجنون" في تركيا..هل لديه القدرة فعلًا على إسقاط جيش كامل؟    مخيم مجاني لمرضى السكري من يوم غد يشمل توزيع ادوية    رئيس النمسا المحترم وسفهاء سلطة اليمن في مؤتمر المناخ    الوقت لا يسير لصالح الجنوب    الدكتور بن حبتور يعزّي عبدالعزيز البكير في وفاة عمه    الأرصاد لا يستبعد تشكّل الصقيع على أجزاء محدودة من المرتفعات    "وثيقة".. الرئاسي يعتمد قرارات الزبيدي ويوجه الحكومة بتنفيذها    الأمير الذي يقود بصمت... ويقاتل بعظمة    بدء صرف راتب أغسطس لموظفي التربية والتعليم بتعز عبر بنك الكريمي    تشكيل لجنة مؤقتة لإدارة نادي الشعلة الرياضي بعدن    تسجيل 22 وفاة و380 إصابة بالدفتيريا منذ بداية العام 2025    بينها 7 منتخبات عربية.. 30 متأهلا إلى كأس العالم 2026    أفاعي الجمهورية    مريم وفطوم.. تسيطران على الطريق البحري في عدن (صور)    سفيرٌ يمنيٌّ وطنه الحقيقي بطاقة حزبه.. تحويل السفارة من ممثل للدولة إلى مكتبٍ حزبي    شعب حضرموت بطلاً لتصفيات أندية الساحل وأهلي الغيل وصيفاً لبطولة البرنامج السعودي الثانية للكرة الطائرة    عين الوطن الساهرة (3)    وسائل إعلام غربية: صنعاء كشفت الفخ الذي نصبته أمريكا وإسرائيل والسعودية في اليمن    تصفيات كأس العالم 2026 - أوروبا: سويسرا تتأهل منطقيا    الجاوي ينتقد إجراءات سلطة صنعاء في التعاطي مع التهديدات التي تواجهها    فراغ ، حياة وتجربة ناصرية    الشهيد أحمد الكبسي .. وعدُ الإيمان ووصيةُ الخلود    قراءة تحليلية لنص "في المرقص" ل"أحمد سيف حاشد"    حلف قبائل حضرموت يصطدم بالانتقالي ويحذر من غزو المحافظة    أمن مأرب يحبط مخططاً حوثياً جديداً ويعرض غداً اعترافات لأفراد الخلية    في رحلة البحث عن المياه.. وفاة طفل غرقا في إب    الدفتيريا تغلق مدارس في محافظة شبوة    الدفتيريا تغلق مدارس في محافظة شبوة    تجربتي في ترجمة كتاب "فضاء لا يتسع لطائر" ل"أحمد سيف حاشد"    رئيس الوزراء بيدق في رقعة الشطرنج الأزمية    بوادر تمرد في حضرموت على قرار الرئاسي بإغلاق ميناء الشحر    انتشال أكبر سفينة غارقة في حوض ميناء الإصطياد السمكي بعدن    وزارة الأوقاف تعلن عن تفعيل المنصة الالكترونية لخدمة الحجاج    معهد أسترالي: بسبب الحرب على اليمن.. جيل كامل لا يستطيع القراءة والكتابة    المقالح: من يحكم باسم الله لا يولي الشعب أي اعتبار    نمو إنتاج المصانع ومبيعات التجزئة في الصين بأضعف وتيرة منذ أكثر من عام    الإمام الشيخ محمد الغزالي: "الإسلام دين نظيف في أمه وسخة"    الحديدة.. مليشيا الحوثي تقطع الكهرباء عن السكان وتطالبهم بدفع متأخرات 10 أعوام    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمعة الحلاوة
نشر في يمن فويس يوم 02 - 08 - 2012


بقلم : اروى عبده عثمان
لماذا يرجع أبي من صلاة الجمعة مغموماً ؟
لماذا لم يعد أبي مبتهجاُ بعد عودته من صلاة الجمعة ، كما تعودناه ؟ إنه يأتينا بوجه مقلوب ، مكفهر ، ضيق النفس ، يتقارح مثل طماش العيد وأكثر.
##
للجمعة ذاكرة طرية من طين وريحان .. ففي طفولتي ويفاعتي حملت الجمعة في بيتنا بهجة وسروراً، فصبوح الجمعة «فتة» خبز طاوة بالسمن البلدي ، وغداؤنا دسم ، حيث يلتم كالعادة على مائدتنا المتواضعة والمفتوحة أناس فقراء ، جلهم بلا أهل .. يذهب أبي الى مسجد الكويت في حينها وهو في كامل أناقته ، ويبخ رشات من عطر الكولونيا ذي الحضور الأنيق ، ولا ينسى عشب الريحان يغرسه في مشدته البيضاء .
وبعد الانتهاء من الصلاة يعود حاملاً الحلاوة الحمراء الساخنة والهريسة ، كذلك الحلاوة البيضاء ( المضروب) .
بعد أن ننهي غداءنا تكون أمي قد لبست أحلى ماعندها ، وتزينت وتشقرت ، فقد حان وقت المقيل ، وقد يأتي في بعض الجمع بعض الجيران والأصدقاء مع زوجاتهم وأبنائهم ليشاركوا أسرتنا المقيل وأطفالهم اللعب معنا .
البهجة والأنس سيدا ديوان بيتنا المتواضع ذي الفرش والمساند التبن والقطن .
##
في جمعنا القديمة لم أر أي رجل أو أي طفل يحمل سجادات ، ويتلوى بها في الشوارع ، ويستعرض بها ، تارة يعتمرها ك«مشدة» ، وتارة يعلقها على كتفه ، وبنفس الطريقة يعجن المسواك في فمه ، والعطر العربي الثقيل الباعث على الشقيقة ، ويزاحم هذا الديكور المرصوص وجه غضوب بملامح جادة وقاسية .. وكأن الوجه المبتهج سينقض صلاة الجمعة ، وسيحول المصلي الى إنسان مشكوك في دينه وإيمانه .
##
عندما كانت المساجد قليلة ونوعية ، وتختار أئمتها بعناية واقتدار .. كنت أرى المصلين يلمعون نظافة برغم ظروف الفقر ، تسبقهم وجوههم المرحة البشوشة الضاحكة ، ولم نسمع باختفاء حذاء أي مصلٍ ، ولم نسمع الخطب الميكرفونية الباثة للكراهية ، وأن كل ما حولنا أعداء ، عبر أدعية على شاكلة : اللهم أهلكهم ، وأسبي نساءهم ..وو ( هذا دعاء الجُمع التي أسمعها منذ أكثر من عشرين سنة ، والجميع يردد :آمين)
في جمعة أبي والآباء في : حوض الأشراف وسوق الصميل والشماسي وشعب الدباء ، والكمب ، وشارع جمال وعصيفرة ..وو لم أجد أي جمع مشهدية الحضور والثقافة ، حيث تترك المصلى داخل الجامع ، وتنزل الشارع فتغتصبه كما تغتصب الرصيف ، واشارة المرور ، والصيدلية والمشفى ، ولعبة نط الحبل ، فيتسابق زعيق الخطب بتراجيديا دامية ، خطب تتشابك وتتضارب في المساجد الكبيرة ، والمساجد الصغير المتناثرة في الأحياء والأزقة حيث الألف مئذنة ، والمليون خطيب ، حيث المنابر تتصارع لتتحول الى ساحات حرب ناحرة ومنحورة لأبناء الحي الواحد ، جُمع وجوامع تتقاتل بنا باسم الله وكأن الله مُلك لهذه الفئة وحدها ، لقد جعلوا الله والقرآن ساحات مشتعلة ، فتحت كل سجادة صلاة موقداً مشتعلاً بجمر الكراهية ، جُمع "المكارحة" ، و«الله ماكانت ولا سبرت » جمع «بيضتي ولا الديك » جمع «إما أنا ، وإما أنا ، وبعدي الطوفان » ، جمعة تأتي ثقلها من كم الكراهية والحقد والتخوين والتكفير والتعصب، جمعة اختزال الجموع في واحد ، جمع الحرائق بلا مبالغة، فما أن تنتهي خطبة الجمعة اذ يحمل الكل انفجاراته في وجه الكل ،وهذا مع الأسف المطلوب تحققه في جمعنا ، وخصوصاً الجمع المليونية التي مازالت تسكب كل ألوان الكراهية والثارات والانتقامات ، لتنفلق حياتنا بالفرقة الناجية ، والفرق النارية وفي النار..
##
أشاهد الأطفال بعد خروجهم من الجوامع في شارعي ، حيث تسمعهم ، شفتم الحوثيين على كفرة ، وشفتم الإسماعيليين أيش يعملوا في أعيادهم (…) والقيامة بتقوم بعد بكرة لأن النساء يزاحمين الرجال في الشارع والسوق وو.. سمعتم ،أيش قال خطيب جمعتنا عن الزنادقة والمرتدين الذين يدخلون الحمام برجلهم اليمنى .. ناهيكم عن عدد المعارك التي قاتلت فيها الملائكة مع جنود الله ، والحق ، وكتائب الرحمن مع الفرقة الناجية ، كيف أن الطيور هزمت الصواريخ ومضادات الطيران ،وو..الخ .
##
حدقوا معي في وجوه المصلين قبل وبعد صلاة الجمعة: وجوه مكفهرة كأنها خارجة من قبور أو مطاردات لملوك الجن في أودية وجبال الرعب لممالك هازمة ومهزومة ،وجوه (غبرة دبرة) من لهاث الكر والفر في صحراء الغبار والقيظ ، وجوه مفزوعة كأنها خرجت لتوها من مشاهدة أفلام الرعب ، المصلي هو كل ذلك مع رتبة خائف ، مهزوم ، متقزم ، يحمل نفساً ملغومة بالغم ، وانغلاق الحياة والأفق ، المصلي هو ذلك الشيء ، ولا شيء ، لا أجد وصفاً لهذا الجمع سوى انها جمع القبور. .
##
مازال أبي حتى اليوم يأتي بالحلاوة والهريسة ، بل والمزودة باللوز والفستق ، لكن بلا طعم ، حيث يعود بوجه متجهم .. يأتي يصب على مائدة الغداء عشرات المذابح والمهالك ، والأمبراطوريات التي انتهت لأنها لم تصل الفجر أو أنها لم تبسمل ولم تحوقل ، ولم تتبرع بمائة ريال لغزة أو الشيشان أو تنكا بلاد النامس ..الخ يسكب أبي أخبار الجثث والأشلاء ،فتصبح لقمة العصيد مشحونة بألفاظ ، مادريتمش ، ما سمعتمش : رجموا ، فجروا ، قشعوا ، حرقوا ، قتلوا ، وعن الجن والشياطين الذين (حومروا) بالبلاد والعباد لأنهم خرجوا عن الصف وأولي الأمر ..
طبعاً أبي وهو يسكب هذه الهوائل المفزعة على مسامعنا ، فهو يحملنا مسؤولية مصير هذه المعارك المتناسلة ،فنحن مسؤولون عما آلت إليه فلسطين والشيشان ، ومجاعات أفريقيا ، بل وانهيارات الإمبراطوريات الإسلامية على نهر سيحون وجيحون .
##
بين جمعتين وزمنين ، أبحث عن جمعة تلم عائلتي ، ودائرة الأصدقاء والجيران الذين كانوا يحضرون إلى بيتنا وتسبقهم ضحكاتهم ، وأحاديث ( قلك ، بلك ) وهموم الحياة اليومية التي تحصل في الشوارع والحارة ، ويهبون لمساعدتهم دون إعلام وتصوير على أنها قضايا بطولية ..بل واجبهم الإنساني والأخلاقي يجعلهم يتسابقون إلى فعل الخير ، بدون مغارف وصناديق تبرعات .
في جمعة الحلاوة والهريسة بدون لوز وفستق كان يحضر الإنسان والشارع والحارة والزقاق ، والبيوت الصغيرة ، وهموم الناس ، وقبله الصدق ، فلم تحضر قضايا الشيشان وغزة ، والكارثة النووية ، وبورما ،فيضيع واجب الحارة ، وانسانه ، جارنا الفقير والمريض الذي مات وفاحت رائحته عندما تحلل جسده فبابه لم يطرقه أحد من الأهل والجيران.
##
أبحث عن جمع بلا حلاوة اللوز والفستق ، حلاوة عادية ، بلا قضايا كبرى ومصيرية ، ومطلقة ، جمعة بلا حشود ، ومنابر تتسابق لتتلذذ بالحروب والدماء ، والبقع الجهنمية المصهورة بالسيوف والأشلاء .
جمعة أرى فيها عمتي «لول » وهي تنادينا من أسفل الدرج .. يابنوّت (جهزتين القهوة المزغول وزيدتين الزنجبيل ) اشتقنا لأحاديث مطاردة علوان للعزيق الذي أكل عشر دجاج دفعة واحدة ، وسؤال: هل نعمان رجع زوجته الحانقة ؟ وعن تخرج ليلى بنت جارتنا وحصولها على المركز الأول ، احاديث بكرة سنزور بيت ثابت فأمه طريحة الفراش وو..
في الأخير :
سلام على «مسجد الكويت » بين الشماسي وحوض الأشراف ، وعلى أهل الكويت حكومة وشعباً حيث عمروا المساجد بنقوش الروح ، وأثثوا مساجد لله ، والوطن للجميع .. ؟
فكيف تشوفوووووووووا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.