كان مزارع يملك حقلا في ناحية من نواحي ارض فسيحة وقد اشتهر هذا الحقل بالخصوبة وعطاء في الثمر والمحصول ,ولما أن صاحبه دائم الترحال والسفر فانه يستخلف رجل امتاز بأمانته وزهده في نفقاته التي أباح له مالك المزرعة تغطيتها من الغلة السنوية الوفيرة التي كانت تجود بها المحاصيل المستخرجة من الحقل . كان الحقل يقع في ضيعة في طرف ناء من السكن الذي يأوي المزارع وكان يتفقده كلما دعت الضرورة لذلك وفي مواسم الزراعة والبذر, ثم يعود لتفقده حين إنضاج الثمر ويناع الزراع لحصادها بعدان يتأكد أنها يبست وأصبحت في متناول أداة الحصاد ,كان الحقل يتراص في أنتضام وتراتب مع حقول أخرى لأناس آخرون لا يفصلها إلا مصدات ترأبيه ترتفع عن سطح الأرض لحفظ الماء الذي يسقيها .
وكان من مصادفات القدر أن هذه الحقول لا تزرع في مواسم واحد وتتفاوت في زراعتها ونوع الثمر وحتى وقت القطاف ويفضل البعض أراحه التربة وتهيئتها حتى تعطي ثمرا وفير وعندما اقبل وقت البذار ذهب الفلاح الأمين كي يزرع الحقل وحين وصل إلى هناك فلح الحقل جيدا ووضع البذور في التربة إلا أن المسكين لم يعلم انه أخطاء الحقل كان كل ما وضعه من بذر أصاب به حقل جاره الذي كان هو الاخر تباطأ في بذر حقله أوانه توسمه لأجل انتظار العام القادم لتبرد التربة وتتشبع أكثر بالمواد العضوية , ألف ارتاده معظم الفلاحين عندما يبدلون نوع البذر وتغليب التربة وسقاها فتعود أجود من ذي قبل .
عاد الفلاح إدراجه وقد تخلص من عناء وكآبة الهم الذي يورقه وانزاح ثقل عن كاهله بعدان أدى وضيفته بإتقان وما عليه سوى انتظار تقلبات الأحوال الجوية وملاحظة أن ترتوي الأرض ويقعد يحلم بموسم وفير عله يقضي ديونه ويسدد التزامات ترتبت من عام مضى بعدان انتهت مدخراته التي ادخرها طوال العام .
حين قدم صاحب الحقل المجاور ونزل إلى زروعه لاحظ ما كانت عليه أرضه واندهش أيما اندهاش وأخذته الحيرة من رويه ذاك النبات المخضر الشديد النماء يقطر ندى من كثرة الارتواء ,وضربته الأفكار تأخذ منه مأخذا فتارة تخبره أن صديقا فعل ذلك حبا في صداقة وردا لمعروف وأخرى تقول أن ابن شقيقه المسافر في المدينة قرر أخيرا أن يترك التزاماته هناك ويعود للاهتمام بأرضهما وفلاحتها ,ولكنه من شده الإعياء من رحله التعافي من المرض الذي آلمه فضل أن يتريث عن التساؤلات ويعود مضاربه مؤجلا لها حالما يتعافى بضعة أيام قبل أن يساءل الفلاحين الذين سوف يجدهم مع اقتراب موسم الحصاد .
الحقل ينضج يوما بعد يوم وكثافة الزرع خلاب في طلعته يشرح النفس العليل وياسر لب المشاهد وتكور نهايته الممتلئ توحي بنبض يتدفق من أسفل السوق إلى ناصية النبت وكأنها تغادر أسرها وتوشك أن تتحرر إلى حيث ترى نور الشمس تلفح خيوطها الذهبية تقبلها بنهم وشبق ممتلئ حرارة وخلود بعد ارتواء .
وصلت عربه يجرها حوذي ممسك خوزرانه رفيعة بيده فجاه يترجل السيد الذي اضطجع لعدة أيام يريح من عناه السفر ولاحظ ما بحقله من ناظر يسلب العقل لم يلحظه منذ زمن وقام بالنظر يمنه ويسره عله يجد ضالته في شخص يعرفه يخفف لهيب في جوفه عن المتطاول الذي غزا ضيعته دون علمه وتجبر على إمبراطوريته الخاصة التي فضل أن يبني في أطرافها بيته المقبب بشكله المثلث ومدفئته القديمة تعلوه والنادر ما يتصاعد منها الدخان لتفضيله مغادره المنطقة شتاء إلى مدينته التي يتفقد جزمن أعماله هناك .
,مر يومه يناطح امشاخ القصب المتدلي في الطرقات المتعرجة مستخدم يداه الاثنتان لإفساح طريقا بالكاد يراه في زحمة الزروع وكثافته, فجاه يقابله الفلاح الذي بذر البذور وحرس على صيانتها حتى غدت في نهاية حصادها ماذا تفعل في هذا الطريق ؟ أنا الذي يفترض أن أوجه لكل هذا السؤال ياسيدي ؟يجيب الفلاح كان يعرفه فقد شاع وصفه بين الفلاحين المستخدمين للعمل بالأجر انه فلاح صديقه الكسول المنشغل باللهو والتجارة في المدينة والتسكع في الملاهي الليلية ,يجيب فهمت أنت من فعل هذا بأرضي !عن أي ارض تتحدث سيدي أنا اعمل في ارض سيدي انها التي تتربع عليها انظر كيف حرثتها وفلحتها وكيف غدت ؟
يتمتم السيد,آه يا مسكين أنت أخطأت هدفك وفلحت ارض غير ارض سيدك ؟ماذا تقول ياسيدي لاشي وقعت في خطاء الأرض هذه ارضي وارض سيدك هي في الجهة الأخرى تعال لاريك ملامحها علاماتها !!فجع من هول الصدمة لا لا لم أخطى انها ارض سيدي ...في غرار نفسه يخبر كيف سأبرر ما اقترفته طوال هذه العمر المديد الذي قضيته افلح الأرض واجتهد لإصلاحها .
من أعلا هضبة كان المنظر واضحا واقتنع الفلاح بان خطئه سوف يجر ويلات عليه وعلى صاحبه وسوف يدخل صاحبه في مشكله مع سيد الأرض وحتى وان سلم سيده بالخطى وأسلمه فانه لم يسامح نفسه ورغم اقتناعه بالخطأ إلا انه لم يصدق كيف وقع في خطا كهذا وهو الذي لامست يداه كل شبر من تراب الحقل ويعرف تفاصيل الأرض كما يحفظ اسمه مازالت الصدمة تورقه ورأسه يكاد ينفجر .