خلال اليومين المنصرمين .. واعني خلال مباريات كأس العالم في البرازيل .. كانت أنظار العالم كله متجهة نحو تلك المستديرة الصغيرة المدللة معشوقة الجميع .. صانعة أمجاد الفرق .. الجميع كان مستمتعا بنصر او خسارة .. لكن اكثر ما شدني هي مدرجات الملاعب حيث يتواجد مشجعي المنتخبات . اسر بأكملها .. الأم الأب وأطفالهم يشجعون يمرحون ترتفع هتافاتهم وتنخفض حسب رضاهم او عدمه .. وأصدقاء من رجال او نساء يجلسون جنبا إلى جنب يضحكون يمرحون يستمتعون بوجودهم معا لتشجيع فريقهم المفضل ..
الصفوف متداخلة فالرجال بجانب النساء لا حواجز ولا رجال أمن تفصل بينهم .. كلا يعرف حدوده ولايتعادها وكلا يحترم حرية الأخر وحقه في قضاء وقت جميل خالي من المنغصات .. والأكثر من ذلك أن النساء غير محجبات او عاريات كما يحلو للبعض القول والغريب أن تلك النسوة العاريات الكاشفات عن مفاتنهن لايجدن من يتحرش بهن او يقلق سكينتهن بعبارات سوقية وقحة وإن حدث فسأجزم أنه عربي ومسلم ..
تخيلت لو أن شاكيرا أو إحدى تلك النسوة في ميدان عام في إحدى بلداننا العربية .. حينها ستحل كارثة الموسم التي ستذكرها الأجيال ويبدأ تقويم أخر تقويم ( ستنا شكيرة ) وعندما يسأل احدهم متى ولدت سيقول يوم تحرشوا بستنا شكيرا .. في بلادنا العربية تلتزم المرأة بالحجاب من رأسها إلى أخمص قدميها وفي بعض البلدان ترتدي اللثام أيضا وتجد من يتحرش بها ويسير خلفها وفي أحيانا كثيرة لا يتوانى عن قول عبارات سوقية وبكل وقاحة .. وإن سألت عن السبب يقال لك البنات هم السبب ( انت مش شايف لبسهم مغري ) والبعض سيقول لك اللحم المفتوش لا يأتيه إلا الذباب أما المغطى فالكل يشتهيه ..
لا أظنهم ذباب ياساده .. ولا أنتم نحل .. كل الأمر فرق الأدمية هم يشعرون بأدميتها لأن إنسانيتهم تمنحهم ذلك الشعور .. وانتم ستلهثون خلف كل اللحوم المغطاة او المكشوفة لا فرق لأن الحيوان لايهتم لنوعية اللحم أو نظافته ..
القضية لا تتعلق بما ترتديه المرأة أو طريقة حديثها أو سيرها .. المشكلة تكمن في ثقافة مجتمع و وعيه .. المجتمع الذي لايرى المرأة إلا من منظور سقط المتاع .. أو ألة لإنجاب الأولاد .. و إجابة الأوامر .. مجتمع يخفي فيه المثقف زوجته خلف الجدران يوصد الأبواب .. ويسير يبعثر كلماته شمال ويمين ليغري أخريات بأنه جنتل مان .. ذلك المثقف الذي نعول عليه إعادة المجتمع إلى جادة الطريق .. فأي لوم يمكننا أن نلقيه على الإنسان البسيط .. تتساوى بيننا وبينهم النظريات.. فهم يتساوى لديهم الوعي بين مثقفيهم وأصحاب القليل من الفهم ..و يتساوى لدينا كلاهما بقلة الوعي .. كلانا يملك ثقافة لكن إحداهما لأجل الحياة والأخرى من أجل الموت ! .