يشغل شهر رمضان مكانة شديدة الخصوصية في الوجدان الإنساني، تدفع باستمرار نحو سبر أغواره وإدراك معانيه. وكما يؤكد فؤاد مرسي في كتابه “معجم رمضان” الصادر مؤخراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، فقد حظي هذا الشهر الكريم على مدار التاريخ باهتمام بالغ من الناس، فأعدوا وتجهزوا له، واستقبلوه بحفاوة وسرور، وأقاموا لياليه وأحيوها بإخلاص وفرح، وفاضت دموعهم وهم يودعونه ولسان حالهم يردد: لا اوحشنا الله منك يا رمضان.
ويؤكد المؤلف أنه في هذا الشهر المبارك ولدت عديد من الأحداث التاريخية الكبرى التي غيرت معالم الحياة. ويشير ابن كثير في كتابه “البداية والنهاية” إلى أن التوراة أنزلت على سيدنا موسى عليه السلام في شهر رمضان، وفيه أنزل الزبور على سيدنا داود عليه السلام، وذلك بعد التوراة بأربعمائة واثنتين وثمانين سنة، كما أنزل فيه الإنجيل على سيدنا عيسى عليه السلام، وفيه بدأ نزول القرآن الكريم، آخر الرسالات السماوية التي أنزلت فيه على سيدنا محمد صل الله عليه وسلم. المأمون يستحدث بدعة التكبير بعد الصلوات الخمس سلطان يتطير بأن يصبح العيد يوم جمعة فيغير التقويم! الكذب في رؤية الهلال يسبب ارتباك الصوم
وبشكل خاص شهدت نهارات شهر رمضان ولياليه عديد من الفتوحات الإسلامية الكبرى، التي مهدت لاستقرار الإسلام ونصرته وإعلاء كلمته؛ ففيه جرت أحداث غزوة بدر الكبرى..أول وأعظم انتصار للمسلمين على الكفار. وفيه قام الرسول صل الله عليه وسلم بفتح مكة، ودخلها منتصراً بتأييد ربه، بعد أن خرج منها وقد ناله من كره أهلها ما لا يحتمله بشر.
كما جرت فيه واحدة من أهم المعارك التي غيرت مجرى التاريخ العربي.. معركة عين جالوت، التي انتهت بانتصار المسلمين على المغول، بعد غزوهم لمدينة بغداد وتهديدهم لبقية بلدان العالم الإسلامي.
وفيه تم فتح المسلمين للأندلس على يد القائد طارق بن زياد، ودامت دولتهم فيها ثمانية قرون..
وفيه انتشر الإسلام في اليمن في السنة العاشرة من الهجرة الشريفة.
هذا بالإضافة إلى عديد من المعارك الحربية الحديثة والأحداث الكبرى التي أعادت ترتيب أوضاع العالم جغرافياً واقتصادياً.
كذلك على مدار التاريخ شهد شهر رمضان بعض الحوادث والنوادر الغريبة التي قطعت عاداته وتقاليده المرعية، وألفتت انتباه الناس، وصارت محور اهتمامهم ومناط أحاديثهم، وربط البعض بينها وبين الشهر الكريم، فذهبوا على أنها علامة على فساد الأحوال وخلل الطباع، بما دفعهم على تأكيد العزم بإخلاص العمل لله وإصلاح ما بداخلهم كي يرفع الله عنهم ما حاق بهم من نوائب ومصائب وما ابتلي به البعض من تكالب على الدنيا وتصارع للفوز بمغانمها الرخيصة.
ومن هذه الحوادث ما تعلق بأخطاء في الحسابات الفلكية أو الشهادة زوراً برؤية الهلال، ترتب عليها أحياناً إعلان بدء الصيام أو إنهائه بما أوقع الصائمين في ربكة، لم تخل من فكاهة في عديد من الأحوال، ونتوقف عند أشهر نوادر شهر رمضان:
زلازل شديدة تضرب بلاد الشام
من حوادث اليوم الرابع والعشرين سنة 152 ه ما أورده “أبو شامة” في كتابه “عيون الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية”، من أحداث زلزلة كبيرة ضربت بلاد الشام وأحدثت خراباً واسعاً. وكانت تلك الزلازل قد بدأت تضرب بلاد الشام ابتداء من شهر صفر، وعادت في جمادى الأولى، ثم في رجب ثم في رمضان. واستمرت بعده حتى شهر ذي القعدة.
بدعة التكبير
مما ذكر من حوادث اليوم الرابع عشر لشهر رمضان ما جاء في أحداث سنة 215ه أيام الخليفة المأمون العباسي، وأورده ابن كثير في “البداية والنهاية”، حيث كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد يأمره أن يأمر الناس بالتكبير عقب الصلوات الخمس، فكان أول ما بدئ بذلك في جامع بغداد والرصافة يوم الجمعة، لأربع عشر ليلة خلت من رمضان، وذلك أنهم كانوا إذا قضوا الصلاة قام الناس قياماً فكبروا ثلاث تكبيرات، ثم استمروا على ذلك في بقية الصلوات. يقول “ابن كثير” معقباً على ذلك: وهذه بدعة أحدثها المأمون بلا مستند ولا دليل ولا معتمد، فإن هذا لم يفعله قبله أحد.
طائر يناشد الناس تقوى الله
ومن الغرائب التي وقعت في اليوم السابع من شهر رمضان في سنة اثنتين ومئتين وأربعين، ما أورده “أبو الفلاح بن العماد الحنبلي” في كتابه “شذرات الذهب في أخبار من ذهب”، إذ وقع في ذلك اليوم طائر أبيض دون الرخمة على دابة بحلب فصاح: يا معشر الناس، اتقوا الله..الله ..الله، حتى صاح أربعين صوتاً، ثم طار وجاء من الغد فصاح أربعين صوتاً. وكتب صاحب البريد بذلك، وأشهد خمسمائة إنسان سمعوه!.
كسوف شديد للشمس
يورد ابن اثير أنه في رمضان عام 571 ه انكسفت الشمس جميعها، وأظلمت الأرض حتى بقى الوقت كأنه ليل مظلم، وظهرت الكواكب، وكان ذلك ضحوة النهار النهار يوم الجمعة التاسع والعشرين منه، يقول ابن الأثير: وكنت حيئنذ صبياً بظاهر جزيرة ابن عمر مع شيخ لنا من العلماء اقرأ عليه الحساب، فلما رأيت ذلك خفت خوفاً شديداً، وتمسكت به، فقوي قلبي، وكان عالماً بالنجوم أيضاً، وقال لي الآن ترى هذه جميعه، فانصرف سريعاً.
القبض على رجل غريب التصرف
في القاهرة في سنة 742 ه جرت حادثة غريبة في كتاب “النجوم الزهرة” لابن تغري بردي؛ مفادها أن رجلاً بواردياً يقال له محمد بن خلف قبض عليه في يوم السبت سادس عشر رمضان، وأحضر إلى محتسب القاهرة فوجد بمخزنه الكثير من أفراخ الحمام وجميعها قد نتنت وتغيرت أحوالها، فأدّب وشهّر.
وقد انتهى إيراد الواقعة دون أن يوضح لنا ابن تغري السر واء تخزين هذه الكميات الكبيرة من الكميات الكبيرة من اللحوم الفاسدة، وهل كان هذا التاجر يعدها للبيع أم أنه كان واحداً من المخبولين؟!.
ثبوت رؤية الهلال صباحاً
في أحداث شهر رمضان سنة 898 ه/ 1493، زمن الأشرف قايتباي، يذكر ابن اياس أنه قد نودي بالصوم بعد صحوة النهار وكان أول أيام رمضان، وقد ثبتت رؤية الهلال بعد ثلاثين درجة، وقد أكل غالب الناس في ذلك اليوم لا سيما العوام، فثقل عليهم الإمساك في ذلك اليوم بعد الإفطار.
العيد بأمر السلطان
من النوادر الغريبة التي أوردها ابن إياس أيضاً، ما حدث في اليوم التاسع والعشرين من رمضان عام 902 ه/ 1497م، زمن الناصر محمد بن قايتباي، إذ أمر بأن تدق أجراس القلعة، وقال أنا أعمل العيد يوم الغد هذا الشهر إن رأوا الهلال أو لم يروا الهلال، فلما أشيع ذلك بين الناس ركب قاضي القضاة الشافعي “زين الدين زكريا” وطلع إلى القلعة فاجتمع بالسلطان وعرفه أن العيد لا يكون إلا برؤية الهلال فشق ذلك على السلطان وهمّ بعزل القاضي في ذلك اليوم!.
فلما دخل الليل لم يُر الهلال في تلك الليلة وجاء يوم الجمعة بدلاً من الخميس، وكان السلطان الناصر قد تطير من العيد أن يجئ يوم جمعة – فكان ذلك رغم أنفه – ولم يخرج السلطان إلى صلاة العيد ولم يستقبل الخليفة أو أياً من الأمراء والوجهاء الذين طلعوا إلى القلعة لتهنئته بالعيد.
شهادة كاذبة في هلال شوال
من حوادث اليوم التاسع والعشرين من رمضان سنة 1292ه نادرة غريبة حدثت في المغرب أبطالها جماعة من شهود اللفيف، وكان عددهم اثنى عشر رجلاً، جاءوا إلى القاضي ليلة التاسع والعشرين من رمضان، وشهدوا عنده أنهم رأوا هلال شوال بعد الغروب رؤية محققة لم يلحقهم فيها شك ولا ريبة، فسمع القاضي شهادتهم وسجها وكتب للسلطان بذلك وهو بقرميم فارتحل السلطان في جوف الليل ودخل داره وأصبح من الغد معيداً، وعيد أهل العدوتين والجم الغفير من أهل المغرب الذي حضروا مع السلطان.
ولما كان ظهر ذلك اليوم وهو التاسع والعشرون من رمضان حقق الفلكيون من أهل الدولة أن العيد لا يمكن في ذلك اليوم، وتكلموا بذلك، وارتاب الناس ولما حان وقت الغروب ارتقب الناس الهلال فلم يروا له أثراً فأمر السلطان بالنداء وأن الناس يصبحون صياماً، لأن رمضان ما زال فصام الناس من الغد وبعد ذلك ظهر الهلال ظهوراً معتاداً وتبين كذب الشهود فسجنوا!.