تحت شعار ( التحرير والإستقلال ) ومن اجل عدن دار للتلاحم والأمان .. وتوحيد الصف العدني .. نحو توحيد الصف الجنوبي , قامت مجموعة من الباحثين والأكاديميين المتخصصين في مجلس عدن الوطني والتجمع العدني وبالتنسيق مع مركز عدن الوطني للدراسات الإستراتيجية والبحوث الإجتماعية بدراسة متخصصة ومتكاملة الأبعاد والمحاور حول ظاهرة الفساد الأخلاقي وكانت أهدافها : تسليط الضوء على مفهوم الفساد وتعريفه وأسبابه وإنعكاساته على الواقع الإقتصادي والإجتماعي في الجنوب . العمل على وضع السياسات والبرامج الكفيلة بتحجيم الفساد ومعالجته . الإستفادة من التجارب العالمية في مكافحة الفساد بعد الإطلاع عليها . أما محاور الدراسة فكانت : مفهوم الفساد الأخلاقي وتأثيره السلبي على مجتمعنا الجنوبي . الفساد الأخلاقي في ظل أداء الحكومة .. مواضع الضعف والخلل . تصورات مستقبلية حول وضع إستراتيجية وطنية لتطوير الأداء الحكومي وأليات مكافحة الفساد ومظاهره المتعددة .
وأجمع الباحثون المشاركون في الدراسة على ان الفساد بأشكاله وصوره يمثل ظاهرة عالمية ويعد من أهم المشكلات التي تعترض برامج وخطط التنمية لأي بلد , ويمتد إلى كافة مفاصل أجهزة الدولة ومؤسساتها الحكومية والإدارية والمالية في كافة القطاعات العامة والخاصة والمختلطة , وفي اطار الإتفاقيات الأممية التي تمت برعاية الأممالمتحدة والتي أكدت على مبادئ إرشادية ملزمة للدول المصادقة عليها حيث انها إتفاقيات ذات تأثير مباشر وغير مباشر في مكافحة الفساد .
وعلى الرغم من ان هناك إستجابة واضحة لهذه الإتفاقية من قبل عدد من الدول إلا أن اليمن لم تستجب عملياً لهذه الإتفاقية بعد انضمامها إليها والجدير بالذكر أن هذه الإتفاقية قد تطرقت لظاهرة رشوة الموظفين العموميين والأجانب ودعت إلى مكافحتها وتحسين نوعية الإدارة المالية والتعامل مع المؤسسات الدولية ومنها الأممالمتحدة والبنك الدولي وأكدت على دور الإعلام والتثقيف بإتجاه مكافحة الفساد الأخلاقي ومنه الرشوة . بيد ان هناك إختلاف من حيث التطبيق بين الواقع السياسي السلبي والنصوص الدستورية الجيدة في الدستور اليمني ولاسيما فيما يتعلق بتحسين مستوى معيشة الفرد ومكافحة أسباب الفساد .
وقد أظهرت هذه الدراسة الميدانية التي قامت بها لجنتين من مجلس عدن الوطني والتجمع العدني شملت سبعة مكاتب وزارية وخمس جهات حكومية كبيرة في عدن والتي وجدتا ان نسبة ممارسة الفساد الإداري والمالي في الوظيفة العامة في تلك الجهات بلغت 42,5% .. وأن 57,8% من الموظفين لا يلتزمون بممارسة أخلاقيات الوظيفة العامة , كما لاحظ الباحثون القائمون بالدراسة أن محوري الوساطة والمحسوبية أكثر محاور الفساد الأخلاقي إدارياً ومالياً ممارسة ً حيث جاءت النسب التالية بالنسبة للمحاور قيد الدراسة ' في المرتبة الأولى حل محور ممارسة الوساطة بنسبة 65,2% يليه محور المحسوبية بنسبة 51,9% ثم محور الابتزاز بنسبة 47,85% ومحور العمولة ب44,93% ومحور الإختلاسات قدر بنسبة 42,56% ومحور إستنفاذ موارد الدولة بنسبة 40,3% ومحور ممارسة الرشوة بنسبة 36,5% وفي المرتبة الأخيرة محور التزوير بنسبة 33,8% .
وأما بخصوص عدم ممارسة الموظفين لأخلاقيات الوظيفة العامة فقد جاءت مكاتب الوزارات والمؤسسات المحلية الحكومية المستقلة مالياً وإدارياً في المرتبة الأولى بنسبة 79,95% وعدم تقدير المسؤلية بنسبة 76,3% وعدم الإلتزام بالعمل بنسبة 70,4% وتدني خدمة العملاء بنسبة 69,53% وعدم الولاء بنسبة 64,93% وعدم الحفاظ على الملكية العامة بنسبة 62,67% وتدني العدالة 58,22% وعدم النزاهة ب 48,8% وأخيراً عدم الصدق في التعامل بنسبة 44,3% .
وعلى هذه النسب المهولة التي قد يكون الواقع الحقيقي ينبئ بأكثر منها سوءاً حيث ان الآثار النفسية التي أنتجتها مظاهر الفساد الأخلاقي في شتى مناحي حياة مجتمعنا الجنوبي خير شاهد من خلال إنتشار المخدرات والمسكرات بين الشباب والفتيات ووصلت حد الأطفال وتباع في الأماكن العامة دون حسيب أو رقيب وما ينتج عنها من إنتشار رهيب لجرائم القتل والإغتصابات والإنتهاكات الجنسية والسرقة والسطو على الأموال العامة والخاصة وتهديد حياة المواطن وأمنه وإستقراره كل ذلك خلف العديد من الآثار والأمراض النفسية والخوف ان تصبح متفشية كوباء .
وخلصت الدراسة إلى وضع الكثير من المعالجات والحلول العلمية لمكافحة الفساد مستفيدة من تجارب دولية سابقة في ذات الإطار لن تكون إلا في ظل وجود دولة حقيقية يديرها أبناء الجنوب بأنفسهم . وأنتجت مجموعة من التوصيات لمعالجة ظاهرة الفساد بأنواعه وأشكاله المختلفة من وجهة نظر المشاركون من الباحثين والأكاديميين والشخصيات المجتمعية والسياسية والثقافية المستقلة منها : سن قوانين إجرائية فاعلة لمكافحة الفساد . منح هيئة نزيهة صلاحيات واسعة لتعقي ظاهرة الفساد من خلال إصدار اوامر القبض والتحري والتفتيش . تبسيط وسائل العمل وتقدير دور الجماهير في مكافحة الفساد من خلال تفعيل دور المنظمات الغير حكومية ( منظمات المجتمع المدني ) ودور المواطن وتشجيعه في رصد مكامن الفساد والفاسدين . تمكين الصحافة والإعلام من ممارسة دورها في كشف الفساد للمجتمع والرأي العام . تطوير دور المحاسب والإحصائي في كشف ومعالجة الفساد وعدم التساهل والتهاون في تطبيق القانون حتى يكون مطرقة على رأس الفاسدين جميعاً . إتاحة الفرصة لإستثمار الشباب للمشاركة في إدارة عوامل الإنتاج المادية والإنسانية وإستغلال طاقاتهم البشرية في تطوير البنية التحتية للدولة وتقديم أفضل الخدمات للمواطنين إعتماد التخطيط لكل دوائر الدولة من اجل الإستخدام الأمثل للموارد المادية والبشرية بحيث تكون خطط واقعية ومرنة ذات مدد زمنية محددة مع مراجعة التنفيذ لتحديد الخلل ووضع البدائل . تبني ميثاق شرف برلماني تنفيذي حكومي وشعبي يتم تطبيقه بعيداً عن النزاعات الحزبية التي غالباً ما توظف الإتهامات بالفساد لخدمة أغراضها السياسية . ومما جاء في خاتمة الدراسة : إن أي مجتمع يبحث عن أمنه وإستقراره وتقدمه يجب عليه العمل بمفهوم الإدارة الصحيح وفق النظريات والأسس والمناهج التي وضعها مؤسسوها لتنظيم حياة الإنسان بداية بتسجيل ولادته حتى تسجيل وفاته .. مرورا بتقديم أرقى الخدمات المعيشية له , وتعد ظاهرة الفساد الأخلاقي كثقافة دخيلة علينا في الجنوب .. وتعد من الظواهر الخطيرة التي تواجه العديد من البلدان النامية في العالم حيث نخرت في جسم مجتمعنا الجنوبي وأهم مرتكز له ( الشباب ) . فقد بدأت بالأمن والقضاء وما تبعه من شلل في عملية البناء والتنمية الإقتصادية وتدمير القدرة المالية والإدارية . وقد كان إهتمام الكثير من الباحثين والأكاديميين المشاركين في هذه الدراسة والذي خلص إلى وضع وتأسيس إطار عمل مؤسسي الغرض منه تطويق المشكلة وعلاجها من خلال خطوات جدية ومحددة لمكافحة الفساد بكل أشكاله وأنواعه ومظاهره في كافة مجالات الحياة في المجتمع الجنوبي.