عندما أصبح الزعيم الاشتراكي فرنسوا ميتران رئيسًا لفرنسا كان بين أوائل التوقعات أن تتأثر العلاقة بين باريسوالرياض. الذي حدث هو أن العلاقة السعودية - الفرنسية في عهد ميتران تجاوزت كل تقدم عرفته بالعهود السابقة. فالعلاقة بين الدول لا تقوم على تغيّر الحكومات، وإنما على ثبات المفاهيم والعهود وحيوية المصالح المشتركة. وقد كان من علامات الرسوخ للعلاقة أن الشيخ جميل حجيلان بقي سفيرًا لبلاده في باريس طوال 22 عامًا. وقد بنى من المودّات والصداقات مع وجوه المعارضة بقدر ما أقام مع وجوه الحكم. لم تتعرض العلاقة السعودية - الفرنسية لأي محنة أو امتحان منذ عدوان السويس وقيام الجمهورية الخامسة عام 1958، وإنما ظلَّت تتحسن وتتوسّع باطراد في جميع الحقول السياسية والاقتصادية والعسكرية. وقد أقامت فرنسا معهد العالم العربي كرمز لعلاقتها مع السعودية بالدرجة الأولى. وقد مهَّدت لاستقبال الأمير سلمان بن عبد العزيز بمعرض تاريخي عن مكةالمكرمة وهو الأخير بين سلسلة معارض تراثية وتاريخية ترسم عمق الحوار القائم بين الدولتين. كان الأمير سلمان ضيفًا معهودًا على الإليزيه منذ عدة عقود. ولست أذكر أنه جاء مرة إلى بريطانيا أو إسبانيا أو ألمانيا أو فرنسا إلا وأُقيم له استقبال رؤساء الدول. العواصم الكبرى تعرف مثل سواها أن بعض القامات تتجاوز بكثير أحجام المناصب. وكان الأمير سلمان يغتنم زياراته لباريس من أجل أن يُطلق منها مواقف المملكة حيال القضايا المطروحة. وخلال الحرب اللبنانية دعا إلى منزله جميع أهل الإعلام اللبناني المقيم يومها في باريس، من أجل أن يؤكد للجميع – وخصوصًا لفرنسا – أن الرياض على مسافة واحدة من جميع الفرقاء في سبيل لبنان آمن ومزدهر ولا قتال فيه. يبرز لبنان مرة أخرى كقضية مشتركة بين السعودية وفرنسا. وأكاد أقول كموقف مشترك ونظرة واحدة إلى الوضع في بيروت وفي المنطقة بشكل عام. وقد رأت السعودية أن تدعم الجيش اللبناني من خلال فرنسا، وليس مباشرة، لكي لا تثير أي علامة استفهام أو تساؤل وسط هذا التجاذب السياسي العارم في لبنان. فالمهم عندها ليس الكسب المعنوي بقدر ما هو استقرار لبنان، كما كان الأمر منذ أيام الملك عبد العزيز حتى اليوم. في هذا الإطار لا يغيب عن الملاحظة أن ولي العهد السعودي هو أيضا وزير الدفاع، وإذا كانت العلاقة الخاصة بينه وبين فرنسا تشمل معظم القضايا الملحّة القائمة اليوم، فإن موقفه القديم من لبنان والمسألة اللبنانية لا بد أنه أُعطي الأهمية العاطفية والاستراتيجية التي يتطلبها بهذه الظروف. يبقى أن الرجل هو الأسلوب كما يقول الفرنسيون، وفي هذه العلاقة ثمة شيء ثابت وهو أن لا الرجل قد تغيَّر ولا الأسلوب أيضا.